للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب الأقضية]

القضاء فرض على الكفاية، بدليل قول الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكم بين الناس، وبعث علياً إلى اليمن للقضاء، وحكم الخلفاء الراشدون، وولوا القضاة في الأمصار؛ ولأن الظلم في الطباع، فيحتاج إلى حاكم ينصف المظلوم، فوجب نصبه، فإن لم يكن من يصلح للقضاء إلا واحداً، تعين عليه، فإن امتنع أجبر عليه؛ لأن الكفاية لا تحصل إلا به، وعن أحمد: أنه سئل هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره ممن يوثق به؟ قال: لا يأثم. وهذا يدل على أنه لا يجب عليه الدخول فيه؛ لأن عليه في التولي خطراً وغرراً، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من جُعل قاضياً، فقد ذبح بغير سكين» . رواه الترمذي وقال: حديث حسن. فلم يلزمه الإضرار بنفسه لنفع غيره، فعلى هذا القول يكره له طلبه، لما فيه من الخطر؛ ولأن السلف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يأبون القضاء أشد الإباء ويفرون منه. وإن طلب فالأولى أن لا يدخل فيه؛ لأنه أسلم له. وقال ابن حامد: إن كان خاملاً، إذا ولي نشر علمه، فالأفضل الدخول فيه، لما يحصل من نشر العلم. وإن كان ينشر علمه بغير ولاية، فالأفضل أن لا يدخل فيه؛ لأن الاشتغال بنشر العلم مع السلامة أفضل. فأما من يوجد غيره ممن يصلح للقضاء، فلا يجب عليه الدخول فيه، ويكره له طلبه، لما روى أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكاً يسدده» . قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وإن طُلِبَ، فالأفضل له الامتناع إلا على قول ابن حامد على التفصيل الماضي. وأما من لا يُحسن القضاء، فيحرم عليه الدخول فيه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «القضاة ثلاثة:

<<  <  ج: ص:  >  >>