للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فافتقر إلى الحكم، وإن خاف خيانة أهل الذمة، لم ينبذ إليهم عهدهم؛ لأن النظر في عقدها إليهم. وكذلك إذا طلبوا الذمة، لزمته إجابتهم إليه. والنظر في الهدنة إلى الإمام، فكان النظر إليه عند الخوف. ومتى نقضها في دارنا منهم أحد، وجب ردهم إلى مأمنهم لأنهم دخلوا بأمان، فوجب ردهم إلى مأمنهم، كما لو أفردهم بالأمان، وإن كان عليهم حق، استوفي منهم.

[باب عقد الذمة]

ولا يجوز عقد الذمة إلا من الإمام، أو نائبه؛ لأنه عقد مؤيد تتعلق به المصالح العامة، فلم يصح من غير الإمام ونائبه. ويجوز عقدها لأهل الكتاب، والمجوس، لقول الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] ، ولما روى عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في المجوس: سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ؛ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ الجزية من مجوس هجر. وسواء كانوا عربا أو عجما؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث معاذا إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا، أو عدله معافر» . رواه أبو داود. وكانوا عربا.

وأهل الكتاب: هم اليهود والنصارى، ومن وافقهم في أصل دينهم، وآمن بنبيهم وكتابهم، كالسامرة الموافقة لليهود في موسى والتوراة، والفرنج يوافقون النصارى في عيسى والإنجيل. وليس المجوس بأهل كتاب، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ، ولا المتمسك بدين إبراهيم وشيث وداود بكتابي، ولا تعقد له ذمة، لقول الله سبحانه: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: ١٥٦] ، ولا يجوز عقد الذمة لغير أهل الكتاب والمجوس، كعبدة الأوثان، ومن عبد ما استحسن، والدهرية، ونحوهم، لقول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] . ثم خص أهل الكتاب بإعطاء الجزية، وألحق بهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المجوس، فبقي من عداهم على مقتضى العموم؛ ولأنهم تغلظ كفرهم، لكفرهم بجميع أنبياء الله تعالى وكتبه. وروى الحسن بن ثواب عن أحمد: أن الجزية تقبل من جميع الكفار، إلا من عبدة الأوثان من العرب؛ لأنه تغلظ كفرهم

<<  <  ج: ص:  >  >>