للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعديه؛ لأن تركه يفضي إلى تضييع الحقوق. فإن استدعاه الحاكم، لزمته الإجابة، فإن أبى تقدم إلى صاحب الشرط ليحضره. وإن استعدى على غائب، وكان الغائب في بلد فيه حاكم، كتب إليه، لينظر بينهما، وإن لم يكن ثم حاكم، وكان ثم من يتوسط بينهما، كتب إليه لينظر بينهما. فإن لم يكن ثم من ينظر بينهما، لم يحضره حتى يحقق الدعوى؛ لأنه يجوز أن يكون المدعى ليس بحق، كثمن الكلب، والخمر، فلا يكلفه مشقة الحضور، كما لا يقضي به فإذا حقق الدعوى أحضره، بعدت المسافة أو قربت، لما روي أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب إلى المهاجر بن أبي أمية: أن ابعث إلي بقيس بن المكشوح في وثاق، فأحلفه خمسين يميناً، على منبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ما قتل داذويه؛ ولأننا لو لم نلزمه الحضور، جعل البعد طريقاً إلى إبطال الحقوق. وإن استعداه على امرأة برزة، فهي كالرجل؛ لأنها مثله في الخروج إلى الحاجات. وإن كانت غير برزة. لم تكلف الحضور، وتوكل من يحاكم عنها. فإن توجهت اليمين عليها، بعث إليها من يحلفها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» ولم يكلفها الحضور.

[باب صفة القضاء]

إذا حضر القاضي خصمان، فادعى أحدهما على الآخر شيئاً تصح دعواه، فللقاضي مطالبة الخصم بالخروج من دعواه قبل سؤاله؛ لأن شاهد الحال يدل على طلب المطالبة، فيقول له الحاكم: ما تقول فيما يدعى عليك؟ فإن أقر لزمه الحق. ولا يحكم به إلا بمطالبة المدعي؛ لأن الحكم حق له، فلم يجز استيفاؤه بغير إذنه. فإذا طالبه حكم له. فيقول: قد ألزمتك ذلك، أو قضيت عليك، أو أخرج له منه. ويحتمل جواز الحكم من غير مطالبة؛ لأن قرينة حاله تدل على إرادة ذلك؛ ولأن أكثر الناس لا يعلمون توقف الحكم على طلبهم، فتوقف الحكم عليه يفضي إلى فوات حقه؛ ولأنه لم ينقل هذا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا عن خلفائه، فاشتراطه يخالف ظاهر حالهم. وإن أنكر، فلم يعرف المدعي وقت البينة، قال له القاضي: ألك بينة؟ وإن كان يعلم فللقاضي أن يقول ذلك، وله أن يسكت. فإن قال: ما لي بينة، قال له الحاكم: فلك يمينه. فإن سأله إحلافه، أحلفه. ولا يجوز إحلافه قبل مطالبة المدعي، فإن فعل لم يعتد بها؛ لأنها يمين قبل وقتها، وللمدعي المطالبة بإعادتها. وإن أمسك المدعي عن إحلافه. ثم أراد إحلافه، فله ذلك؛ لأن حقه لم يسقط بالتأخير. وإن قال: أبرأتك من اليمين، سقط حقه

<<  <  ج: ص:  >  >>