والثانية: تنعقد اليمين؛ لأنه يحتمل القسم بغير اسم الله تعالى. وإن قال: حلفت بالله وأراد الخبر، لم يكن يمينا، اختاره أبو بكر. وعنه: عليه الكفارة لإقراره على نفسه، والأول المذهب؛ لأنه حكم بينه وبين الله تعالى، فلا يلزمه ما لم يوجد سببه. وإن قال: عليّ يمين، فكذلك. فإن أراد عقد اليمين، لم يكن يمينا؛ لأنه لم يأت باسم الله، ولا صفته، فلم يكن يمينا، كسائر الكلام.
فصل:
ويجاب القسم بأحرف خمسة: إن، واللام في الإيجاب، كقول الله:{قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ}[يونس: ٥٣] ، وقَوْله تَعَالَى:{قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}[التغابن: ٧] ، و"ما" و"لا" و"إن" الخفيفة في النفي كقول الله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}[الضحى: ٢]{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ}[الضحى: ٣] ، وقَوْله تَعَالَى:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}[النحل: ٣٨] ، وقوله سبحانه:{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}[النساء: ٦٢] ، وتحذف "لا" وهي مرادة، كقول الله تعالى:{تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}[يوسف: ٨٥] . وقال امرؤ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا
أي: لا أبرح. فإن قال: بالله صل لم تنعقد يمينه؛ لأنه لم يجبه بجواب القسم، وإن قال: تالله لتفعلن، انعقدت يمينه، والكفارة على الحالف؛ لأنه الحانث.
فصل:
وإن حرم على نفسه شيئا، وقال: ما أحل الله علي حرام، فهي يمين. سواء أطلق ذلك، أو علقه على شرط، لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم: ١] إلى قوله تعلى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}[التحريم: ٢] يعني: التكفير. قالت عائشة:«كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمكث عند زينب، ويشرب عندها عسلا، فتواطأت أنا وحفصة أيتنا دخل عليها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، فدخل على إحدانا، فقالت ذلك، فقال: لا، بل شربت عسلا ولن أعود له، فنزلت:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم: ١] » . متفق عليه.