للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن عدالته لحق المشهود عليه، وإنه ممن يثبت بالحق بقوله، فوجب الحكم به. وفيه وجه آخر: إنه لا يثبت؛ لأن اعتبار العدالة في الشاهد حق لله تعالى، ولهذا لو رضي المشهود عليه، أن يحكم عليه بشهادة فاسق، لم يحكم عليه بها.

فصل:

ومن ثبتت عدالته، ثم شهد عند الحاكم بعد ذلك بزمن قريب، حكم بشهادته. وإن كان بعده بزمن طويل، ففيه وجهان:

الوجه الأول: يحكم بشهادته؛ لأن عدالته قد ثبتت، والأصل بقاؤها.

والثاني: يعيد السؤال؛ لأن مع طول الزمان تتغير الأحوال. وإن شهد عنده عدول، فارتاب بشهادتهم، استحب له تفريقهم، وسؤال كل واحد منهم على الانفراد عن صفه التحمل، ومكانه، وزمانه. فإن اختلفوا سقطت شهادتهم. وإن اتفقوا، وعظهم، لما روى أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: كنت عند محارب بن دثار، وهو قاضي الكوفة، فجاءه رجل، فادعى على رجل حقاً، فأنكره، فأحضر المدعي شاهدين، فشهدا له، فقال المشهود عليه: والذى تقوم به السماوات والأرض لقد كذبا علي، وكان محارب بن دثار متكئاً، فاستوى جالساً، وقال: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الطير لتخفق بأجنحتها، وترمى بما في حواصلها من هول يوم القيامة، وإن شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار» . فإن صدقتما فاثبتا، وإن كذبتما، فغطيا رؤوسكما وانصرفا، فغطيا رؤوسهما وانصرفا.

فصل:

ويستحب أن يحضر مجلسه الفقهاء من أهل كل مذهب، يشاورهم فيما يشكل عليه، لقول الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] قال الحسن: إن كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مشاورتهم لغنياً، ولكن أراد أن يستن بذلك الحكام. وروى عبد الرحمن بن القاسم: أن أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي والفقه، دعا رجالاً من المهاجرين والأنصار، دعا عمر، وعثمان، وعلياً، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، فمضى أبو بكر على ذلك، ثم ولي عمر، فكان يدعو هؤلاء النفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فإذا اتفق أمر مشكل شاورهم. فإن اتضح له الحق، حكم به. وإن لم يتضح له أخره، ولم يقلد غيره، ضاق الوقت أو اتسع؛ لأنه مجتهد فلم يقلد غيره، كما لو اتسع الوقت. وإن فوض الحكم في

<<  <  ج: ص:  >  >>