للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل:

والسنة أن لا يكون الإمام أعلى من المأمومين، لما «روي أن عمار بن ياسر كان بالمدائن، فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار فقام على دكان والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة فأخذ بيده، واتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقول: إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم وقال عمار: فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي» رواه أبو داود. فإن فعل فقال ابن حامد: تبطل صلاته لارتكابه النهي، وقال القاضي: لا تبطل؛ لأن عمارًا بنى على صلاته، وعن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا بأس بهذا؛ لما «روى سهل قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام على المنبر، فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر، ثم ركع ثم رفع، فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم قال: أيها الناس، إنما فعلت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي» متفق عليه. ولا بأس بالعلو اليسير؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى رفع البصر المنهي عنه فيه، بخلاف الكثير، ولا بأس أن يكون المأموم أعلى من الإمام لذلك، ويصح أن يأتم به من في أعلى المسجد وغيره، إذا اتصلت الصفوف.

فصل:

يجوز أن يأتم بالإمام من في المسجد، وإن تباعد؛ لأن المسجد كله موضع للجماعة، فإن كان بينهما حائل يمنع المشاهدة، وسماع التكبير لم يصح الائتمام به، لتعذر اتباعه، وإن منع المشاهدة دون السماع؛ ففيه وجهان:

أصحها صحة الصلاة؛ لأن أحمد قال في المنبر: إذا قطع الصف لم يضر، ولأنهم في موضع الجماعة، ويمكنهم الاقتداء به لسماع التكبير، فأشبه المشاهد.

والثاني: لا يصح؛ لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها: لا تصلين بصلاة الإمام، فإنكن دونه في حجاب، والحجاب موجود هاهنا، فإن كان المأموم في غير المسجد، وبينهما حائل يمنع رؤية الإمام، أو من وراءه لم تصح الصلاة؛ لحديث عائشة، وقال ابن حامد: يمنع في الفرض، وفي النافلة روايتان.

وعن أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة، وأبوابه مغلقة أرجو أن لا يكون به بأس، ويشترط اتصال الصفوف، وهو أن لا يكون بينهما بعد كثير لم تجر العادة بمثله، واشترط أصحابنا أن لا يكون بينهما نهر تجري فيه السفن، ولا طريق، والصحيح أن هذا لا يمنع؛ لأنه لا يمنع المتابعة، إلا أن يكون عريضًا يمنع الاتصال.

<<  <  ج: ص:  >  >>