للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل:

ومن عليه دين، لا يجوز أن يتصدق صدقة تمنع قضاءها؛ لأنه واجب فلم يجز تركه، ولا يجوز تقديمها على نفقة العيال؛ لأنها واجبة، وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت» رواه أبو داود. وروى أبو هريرة قال: «أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصدقة، فقام رجل فقال: يا رسول الله عندي دينار فقال: تصدق على نفسك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر» رواه أبو داود. فإن وافقه عياله على الإيثار فهو أفضل، لقول الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الصدقة جهد من مقل إلى فقير في السر» رواه أبو داود [ولم يذكر (إلى فقير في السر) ] ، ومن أراد الصدقة بكل ماله، وكان يعلم من نفسه حسن التوكل وقوة اليقين والصبر عن المسألة، أو كان له مكسب يقوم به فذلك أفضل له وأولى به؛ لأن أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تصدق بكل ماله، فروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نتصدق، فوافق مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: أبقيت لهم مثله. فأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما أبقيت لأهلك؟ فقال: الله ورسوله، فقلت لا أسابقك إلى شي أبداً» ، وإن لم يثق من نفسه بهذا كره له، لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» رواهما أبو داود. وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسعد: «إنك أن تدع أهلك أغنياء خير من أن تدعهم عالةً يتكففون الناس» متفق عليه. ويكره لمن لا صبر له على الإضاقة أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>