للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أن من دخل مكة يحرم منها، وإن مر به كافر أو عبد أو صبي، فأسلم الكافر، وأعتق العبد، وبلغ الصبي دونه، أحرموا من موضعهم ولا دم عليهم؛ لأنهم أحرموا من الموضع الذي وجب عليهم الإحرام فيه، فأشبهوا المكي والمتجاوز غير مريد لمكة.

وعنه في الكافر يسلم: يخرج إلى الميقات، فإن خشي الفوات أحرم من موضعه وعليه دم، والصبي والعبد في معناه؛ لأنهم تجاوزوا الميقات غير محرمين، قال أبو بكر: وبالأول أقول، وهو أصح لما ذكرناه، ومن لم يكن طريقه على ميقات، فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم؛ لما روى ابن عمر قال؛ «لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حد لأهل نجد قرناً، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنا شق علينا، قال: فانظروا وخذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق.» رواه البخاري. ولأن هذا مما يدخله الاجتهاد والتقدير، فإذا اشتبه على الإنسان صار إلى اجتهاده فيه كالقبلة، فإن لم يعلم حذو الميقات احتاط فأحرم قبله؛ لأن تقديم الإحرام عليه جائز وتأخيره حرام.

فصل:

والأفضل أن لا يحرم قبل الميقات؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أحرموا من ذي الحليفة، فإن أحرم قبله، جاز؛ لأن الصبي بن معبد أحرم قبل الميقات قارناً فذكر ذلك لعمر فقال: هديت لسنة نبيك. ومن بلغ الميقات مريداً للنسك؛ لم يجز له تجاوزه بغير إحرام؛ لما تقدم من حديث ابن عباس، فإن تجاوزه غير محرم؛ لزمه الرجوع ليحرم منه؛ لأن من قدر على فعل الواجب لزمه، فإن رجع فأحرم منه فلا دم عليه؛ لأنه أدى الواجب فأشبه من لم يتجاوزه، فإن لم يمكنه الرجوع لخوف أو خشية الفوات فأحرم من موضعه، أو أحرم من موضعه لغير عذر، فعليه دم لأنه ترك الواجب من مناسك الحج، فإن رجع بعد ذلك إلى الميقات لم يسقط الدم؛ لأنه استقر عليه بإحرام من دونه، فأشبه من لم يرجع، فإن أحرم المكي بالحج من الحل الذي يلي عرفة، فهو كالمحرم من دون الميقات، وإن أحرم من الحل الذي يلي الجانب الآخر، ثم سلك الحرم فهو كالمحرم قبل الميقات، وإن أحرم بالعمرة من الحرم انعقد إحرامه كالذي يحرم بعد ميقاته، ثم إن خرج قبل الطواف إلى الحل وعاد، ففعل أفعاله تمت عمرته، وعليه دم، وإن لم يخرج وفعل أفعالها ففيه وجهان:

أحدهما: يجزئه، ويجبرها بدم، كالذي يحرم من دون ميقاته.

والثاني: لا يجزئه؛ لأنه نسك فكان من شرطه الجمع بين الحل والحرم كالحج، فعلى هذا لا يعتد بأفعاله، وهو باق على إحرامه حتى يخرج إلى الحل ثم يأتي بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>