للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يسيل الدم، ويقلدها نعلاً، أو نحوها، لما روى ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بذي الحليفة، ثم دعا ببدنة، فأشعرها في صفحة سنامها اليمنى، وسلت الدم عنها بيده» ، رواه مسلم، ولأنها ربما اختلطت بغيرها، أو ضلت فتعرف بذلك فترد، وإن كانت غنماً قلدت آذان القرب والعرى؛ لقول عائشة: «كنت أفتل القلائد للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيقلد الغنم. ويقيم في أهله حلالاً» [أخرجه البخاري ومسلم ونحوه] ولا يشعرها لضعفها، ولأنه يستتر موضع الإشعار. بشعرها وصوفها.

فصل:

ولا يجب الهدي بسوقه مع نيته، كما لا تجب الصدقة بالمال، بخروجه به لذلك، ويبقى على ملكه وتصرفه، ونمائه له حتى ينحره، وإن قلده وأشعره وجب بذلك، كما لو بنى مسجداً وأذن بالصلاة فيه. وإن نذره، أو قال: هذا هدي لله وجب؛ لأنه لفظ يقتضي الإيجاب، فأشبه لفظ الوقف، وله ركوبه عند الحاجة من غير إضرار به؛ لأن أبا هريرة روى «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلاً يسوق بدنة، فقال: اركبها فقال: يا رسول الله، إنها بدنة. فقال: اركبها ويلك في الثانية أو في الثالثة» ، متفق عليه. وفي حديث آخر قال: «اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها، حتى تجد ظهراً» رواه أبو داود، فإن نقصها الركوب، ضمنها؛ لأنه تعلق حق غيره بها، وإن ولدت، فولدها بمنزلتها يذبحه معها، لما روي أن علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى رجلاً يسوق بقرة معها ولدها، فقال: لا تشرب من لبنها، إلا ما فضل عن ولدها، فإذا كان يوم النحر فانحرها وولدها ولأنه معنى تصير به لله تعالى، فاستتبع الولد، كالعتق، وله أن يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها لحديث علي، ولقول الله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: ٣٣] . ولا يجوز أكثر من ذلك للخبر. ولأن اللبن غذاء الولد، فلا يجوز منعه منه. كما لا يجوز منع الأم علفها، فإن لم يمكنه المشي، حمله على ظهرها؛ لأن ابن عمر كان يحمل ولد البدنة عليها، فإن لم يمكنه حمله ولا سوقه، صنع به كما يصنع بالهدي الذي يخشى عطبه، وإن كان عليها صوف في جزه صلاح لها، جزه وتصدق به؛ لأنها تسمن بذلك، فتنفع المساكين، وإن لم يكن في جزه صلاح لم يجز أخذه؛ لأنه جزء منها وينفع الفقراء عند ذبحها، وإن أحصر نحره حيث أحصر؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر هديه بالحديبية، وإن تلف من غير تفريط لم يضمنه؛ لأنه أمانة عنده، فلم يضمنه من غير تفريط كالوديعة، فإن تعيب ذبحه وأجزأه؛ لأنه لا يضمن جميعه، فبعضه أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>