للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بذلك؛ لأن صاحبها إنما يطلبها عقيب ضياعها، ويكون التعريف في مجامع الناس، كالأسواق وأبواب المساجد، وأوقات الصلوات؛ لأن المقصود إشاعة أمرها، وهذا طريقه، ويكثر منه في موضع وجدانها، وفي الوقت الذي يلي التقاطها، ولا يعرفها في المسجد؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله تعالى عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا» رواه مسلم. ويقول: من ضاع منه كذا، يذكر جنسها: أو يقول: شيء ولا يزيد في صفتها؛ لئلا يفوت طريق معرفة صاحبها، وأجرة المعرف على الملتقط؛ لأن التعريف عليه، ولأنه سبب تملكها، فكان على متملكها، قال أبو الخطاب: إن التقطها للحفظ لصاحبها لا غير، فالأجرة على مالكها يرجع بها عليه. وقاله ابن عقيل فيما لا يملك بالتعريف.

فصل:

فإذا جاء مدعيها، فوصفها بصفاتها المذكورة، لزم دفعها إليه؛ لأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به، ولأنها لو لم تدفع بالصفة لتعذر وصول صاحبها إليها، لتعذر إقامة البينة، فإن وصفها اثنان، أقرع بينهما، فمن قرع صاحبه، حلف وسلمت إليه، كما لو ادعى الوديعة اثنان، وقال أبو الخطاب: تقسم بينهما، وإن وصفها أحدهما وللآخر بينة، قدم ذو البينة؛ لأنها أقوى من الوصف، فإن كان الواصف سبق فأخذها نزعت منه، وإن تلفت في يده، فلصاحبها تضمين من شاء منهما؛ لأن الواصف أخذ مال غيره بغير إذنه، والملتقط دفعه إليه بغير إذن مالكه، ويستقر الضمان على الواصف؛ لأن التلف حصل في يده، فإن ضمن لم يرجع على أحد، وإن ضمن الملتقط رجع عليه، إلا أن يكون الملتقط دفعها بحكم حاكم، فلا يضمن؛ لأنها تؤخذ منه قهرًا. وإن أتلفها الملتقط، فغرمه الواصف عوضها، ثم جاء صاحب البينة، لم يرجع إلا على الملتقط؛ لأن الواصف إنما أخذ مال الملتقط ولم يأخذ اللقطة، ثم يرجع الملتقط على الواصف.

فصل:

فإن لم تعرف، دخلت في ملك الملتقط عند الحول حكمًا، كالميراث؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث زيد: «وإن لم تعرف فاستنفقها» وفي لفظ: «وإلا فهي كسبيل مالك» ولأنه كسب مال بفعل، فلم يعتبر فيه اختيار التملك كالصيد. واختار أبو الخطاب: أنه لا يملكها إلا باختياره؛ لأنه تملك مال ببدل، فاعتبر فيه اختيار التملك، كالبيع. والغني والفقير سواء في هذا؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفرق، ولأنه تملك مال بعوض، أشبه البيع.

فصل:

وما جاز التقاطه ووجب تعريفه، ملك به، نص عليه أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في

<<  <  ج: ص:  >  >>