للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول -رحمه الله تعالى-: "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين" أول ما فرضت، فرضت الفرض يأتي بمعنى التقدير، ومنه الفرائض المقدرة في كتاب الله -عز وجل-، ويراد به الإيجاب والإلزام، فهل معنى: "أول ما فرضت" يعني أول ما قدرت الصلاة ركعتين؟ أو أول ما فرضت يعني أوجبت الصلاة ركعتين؟ الأول قول الجمهور، وهو أن أول ما فرضت يعني قدرت الصلاة، وليس هذا على سبيل الإيجاب، قدرت، والحنفية يرون أن معنى فرضت: أوجبت، ليستمر هذا الإيجاب أو هذا الوجوب بعد أن أقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر، وبناءً على هذا فالجمهور على أن القصر -قصر الرباعية ركعتين- في السفر عند الجمهور رخصة، ويقول بعضهم: إنه عزيمة لكن لا على سبيل الوجوب، وعند الحنفية القصر في السفر واجب، فرضت أوجبت، واستمر هذا الإيجاب بعد ذلك واستمر ولم ينسخ ولم يغير إنما الذي غير صلاة الحضر، الحنفية يرون وجوب القصر في السفر استدلالاً بهذا الحديث، والجمهور أدلتهم كثيرة {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(١٠١) سورة النساء] ورفع الجناح يقتضي رفع الإثم، ومجرد رفع الجناح لا يقتضي الوجوب، هل يلتزم الجمهور بمثل هذا الكلام في رفع الجناح بالنسبة للسعي؟ وهل يقول الحنفية في آية السعي مثل ما يقولون في آية القصر؟ عندنا دلالة الحديث محتملة؛ لأن الفرض يحتمل معنيين، الفرض الذي هو بمعنى التقدير، والفرض بمعنى الإيجاب، قد يقول قائل: إن القصر في الآية مع كونه رفع فيه الجناح وهو الإثم مشروط بالخوف {إِنْ خِفْتُمْ} [(١٠١) سورة النساء] وهذا شرط وعلى هذا السفر وحده لا يستقل بالقصر، بل لا بد معه خوف، والذي استقر عليه عمل الأمة جواز القصر في السفر ولو من دون خوف، وهي صدقة تصدق الله بها، فلتقبل صدقته، وهذا من الأحكام التي شرعت لسبب، وارتفع السبب وبقي الحكم، فعل سبب ارتفع السبب وبقي الحكم كالرمل في الطواف، استمر الحكم وإن كان السبب ارتفع.