وعلا- لموسى {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [(١٤٢) سورة الأعراف] يقول: يواصل أربعين ثم تنكشف له الأمور، يصير من أرباب الأحوال والمكاشفات، والذهبي يقول: هذا إن ثبت أنه يستمر أربعين يوم، إن ثبت هذا ضرب من الهلوسة، الجوع له أثر، له أثر على الدماغ، كما أن كثرة الأكل تنشأ عنه أبخرة تتصاعد إلى الدماغ فتؤثر فيه، فلا إفراط ولا تفريط، فعلى الإنسان أن يكون معتدلاً في أموره كلها، ويحفظ بذلك دينه ودنياه، وهنا يقول:((التثاؤب من الشيطان)) التثاؤب من الشيطان؛ لأنه يصدر عن امتلاء البطن والكسل، وهذه تبعث على التراخي والتكاسل والتأخر عن العبادات، وهذا مما يحبه الشيطان، فكأن التثاؤب نشأ منه لأنه يحبه ((فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) أي: يمسك بفمه، يضع يده أو شيء على فمه لئلا يرى منه ما يستقذر، أو يخرج منه ما يستقبح، المقصود أن هذا من الأدب النبوي، ما استطاع، الذي لا يستطيعه لا يكلفه، بعض الناس إذا تثاءب تصدر منه أصوات مزعجة، مزعجة، فإن كانت في الصلاة فالصلاة على خطر من الإبطال، وإن كانت خارج الصلاة فهي مكروهة كراهة شديدة، تثاءب حال قراءة القرآن قالوا: من أدب القارئ، قارئ القرآن أن يمسك عن القراءة أثناء التثاؤب؛ لأن هذه القراءة يتقرب بها إلى الله -عز وجل-، والتثاؤب من الشيطان، لا يجتمع هذا وهذا.
"رواه مسلم والترمذي، وزاد:((في الصلاة)) "((التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع)) ولا شك أن التنصيص على الصلاة لا يعني أن الأمر بالكظم مخصوص بالصلاة وأنه خارج الصلاة لا يكظم، بل يكظم مطلقاً، ويعتني بصلاته أكثر من غيرها.
دخول هذا الحديث في باب الخشوع في الصلاة، لا شك أن التثاؤب المصحوب بالكسل والخمول لا يمكن أن يتحقق معه الخشوع، لا يمكن أن يتحقق معه استحضار ما هو بصدده من إقبال على ربه -عز وجل-؛ لأنه لو كان مستحضراً الحالة التي هو فيها، والمقام الذي قامه لا شك أنه سوف ينشد معه، ويلقي له باله وهمه، فإذا حضر القلب وتدبر ما قرأ، وتفكر فيما سمع -إن كان مأموماً- فإنه ينشغل عن هذا التثاؤب، والله المستعان، نعم.