الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي في الحكم" الراشي: هو الدافع للمال من أجل أن يحكم له، والمرتشي هو الآخذ من أجل أن يحكم، ولا يختص هذا بالحاكم ولا بالقاضي، بل كل من له نفوذ أو يستطيع النفع ممن يأخذ أجراً على عمله، أما من لا يأخذ أجراً فله أن يأخذ بقدر أجرته، أجرة المثل من صاحب القضية له أجرة المثل، أما العامل الذي يتقاضى أجراً من عمله فأخذه لهذا المال رشوة، وسواءً قُدم على أنه رشوة صريحة مكشوفة، أو على أنه هدية، والمقصود منها كسب القضية، أو منفعة، يقدم له خدمة في مقابل أن ييسر له أمر نجاح قضيته، والمرتشي هو الآخذ على أي وجه كان، سواءً أخذ مالاً، أو أخذ منفعة، قُدم له خدمة هذه رشوة، والعامل على الصدقة لما أهدي له يقال له: ابن اللتبية أهدي له، فلما قدم إلى المدينة قال: هذا هو الصدقة، وهذا أهدي إلي، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((هلا جلس في بيت أبيه فينظر هل يهدى له؟ )).
الرشوة إن كانت لأخذ ما لا يستحقه فهذه مجمعة على تحريمها، وأنها من كبائر الذنوب، وأنها من أعظم معاول الهدم، واستقامة الأمور والأحوال في المجتمعات، الآن كثير من المجتمعات لا تستخرج فيها الحقوق إلا بالرشوة، والذي يتورع عن الرشوة يضيع حقه في كثير من المجتمعات، وهذا هو الذي جعل الراشي والمرتشي مستحقان للعنة الله؛ لأن آثارها سيئة، وعواقبها وخيمة، سواءً كان المبلغ المدفوع رشوة كبيراً أو صغيراً، كلها رشوة.