يقول جابر -رضي الله تعالى عنه- ثم اضطجع: يعني النبي عليه الصلاة والسلام، حتى طلع الفجر: يعني صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ثم اضطجع.
حتى طلع الفجر: فهم من ذلك بعضهم أنه ترك صلاة الليل، وترك الوتر، والمعروف عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يترك الوتر لا سفراً ولا حضراً، فهل نقول إن هذه الليلة على وجه الخصوص لا صلاة فيها غير الفرائض، حتى الوتر الذي كان يلازمه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو نقول إن جابراً ما أطلع على ذلك، كما أنه خفي عليه بعض الأشياء؛ لأن كونه لازم النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعني أنه لازمه ملازمة الظل، ما يلزم هذا، فالملازمة تعني طول المكث والبقاء، لكن لا يعني أنها ملازمة تامة مائة بالمائة، ولذا خفي عليه بعض الأمور مما ذكره غيره حتى في هذه الليلة، ولعل النبي -عليه الصلاة والسلام- استيقظ وصلى وجابر نائم.
فالقاعدة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ترك الوتر لا سفراً ولا حضراً، وعدم الذكر لا يعني عدم الوجود، لا سيما في ما دل الدليل على وجوده بنصوص أخرى.
فصلى الفجر: لما طلع الفجر، صلى الفجر حين تبين له الصبح: يعني في أول وقتها بأذان إقامة كالمعتاد.
ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام: جبل هناك يقال له قزح, فأتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا وكبر وهلل؛ لأنه مع زحمة الناس وكثرتهم لا يتمكن جميع الناس من الوقوف عند هذا المشعر، فلو وقف كل إنسان في مكانه وذكر الله -جل وعلا- ودعاه وهلل وكبر حتى يسفر جداً، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام- بعد صلاة الصبح يجلس في مصلاه، ويذكر الله -جل وعلا- حتى تنتشر الشمس، أما في هذا المكان استقبل القبلة فدعا وكبر وهلل، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس؛ مخالفة للمشركين الذين كانوا لا ينصرفون من مزدلفة حتى تطلع الشمس، وينتظرون طلوعها فيقولون:"أشرق ثبير"؛ كي ما نغير، فخالفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- فدفع قبل أن تطلع الشمس.