الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فأشكر الله -سبحانه وتعالى- أولاً وآخراً على أن يسر مثل هذه اللقاءات التي نرجو أن تكون مباركة خالصة لوجهه الكريم، كما أشكر الأخوة القائمين على هذه الدورة -المنظمين لها- على ثقتهم وحسن ظنهم بي، لشرح مثل هذا الكتاب الذي شرح، بحيث تعددت شروحه من المتقدمين والمتأخرين.
تولى شرحه جمع من أهل العلم فمن أولهم: القاضي الحسين بن محمد المغربي في شرح أسماه (البدر التمام في شرح بلوغ المرام)، وهو شرح موجود مخطوط ومحقق، لكن لم ينشر منه سوى مجلدين، ثم اختصره الأمير الصنعاني، توالت شروحه من المعاصرين وكثرت، سواءً منها المطبوع، ومنها المسموع، وغير ذلك؛ وذلكم لأهمية هذا الكتاب.
والتصنيف في السنة والكتابة فيها كان في أول الأمر وفي صدر الإسلام، كان ذلكم على نطاق ضيق جداً؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر نهى عن كتابة الحديث.
ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد أنه قال:((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه)) كان هذا في أول الأمر؛ خشية أن يختلط غير القرآن به، ثم لما أمنت هذه المفسدة أذن بالكتابة، وجاءت الأحاديث الدالة على جوازها بل على الأمر بها:((اكتبوا لأبي شاه)) [الحديث في الصحيحين].
وقول أبي هريرة:"ما كان أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر مني حديثاً إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب".
ثم كثرت الكتابة وارتفع الخلاف في جوازها، وحصل الإجماع عليها، فكان الصحابة يكتبون والتابعون كذلك، والسنة محفوظة؛ لأن بحفظها يتم حفظ الدين، والدين محفوظ إلى قيام الساعة، لكن التدوين الرسمي العام إنما حصل على رأس المائة الثانية بأمر من الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز حيث أمر الزهري بكتابة السنة.