وفي الحديث الأول: يقول الحافظ -رحمه الله- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذاً إلى اليمن، بعث معاذاً -رضي الله تعالى عنه- إلى اليمن فذكر الحديث بطوله، وكان بعث معاذ في السنة العاشرة قبل أن يحج النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو في السنة التاسعة أو في السنة الثامنة على خلافٍ بين أهل العلم في ذلك، بعثه إلى اليمن معلماً وداعياً، وأخبره -عليه الصلاة والسلام- أنه يقدم على قومٍ أهل كتاب ليتأهب لدعوتهم ومجادلتهم ومحاجّتهم، فدعوة من عنده علم تختلف عن دعوة من لا علم عنده، دعوة العامي سهلة، العامي سهل القياد؛ لكن من عنده علم من أنصاف المتعلمين الذي حفظ بعض الشيء الذي يحاجّ ويجادل فيه، اطلع على بعض المتشابهات مثل هذا يصعب إقناعه؛ لكن مع ذلك دعوته منها، فأخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- أنهم أهل كتاب ليتأهب لدعوتهم، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)) هذا أوجب الواجبات، وأول ما يجب على المكلف، بل يفرض عليه، خلافاً لمن قال إن أول الواجبات النظر أو القصد إلى النظر أو الشك كما يقول المتكلمون، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) هذا أول ما يجب، فإذا أذعنوا، وقالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، أقروا بالشهادتين، واعترفوا بهما، تدرّج في دعوتهم حسب الأهمية، ((فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة)) فلا يدعى إلى الصلاة من لا يشهد أن لا إله إلا الله، ولا يؤمر بها، وهذه حجة من يقول: أن الكافر غير مخاطب بالفروع؛ لأن الأصل شرط لصحة الفروع، وما دام لا يخاطب بها أثناء كفره، ولا يؤمر بها إذا أسلم بقضائها، فما الفائدة من خطابه بها، والجمهور على أن الكافر مخاطب بالفروع، وإن كان لا يؤمر بها حال كفره، ولا يؤمر بقضائها إذا أسلم، إلا أنه يعاقب عليها ويعذب على تركها إضافةً على عقوبته وعذابه بترك الأصل الذي هو الإيمان، ولا شك أن الإيمان شرط للصحة؛ لكن مقتضى قول من يقول بهذا الرأي، رأي أنه لا يأتي بالمشروط قبل أن يتحقق الشرط، ولا يؤمر به