"أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيباً" رواه الخمسة، وفيه انقطاع؛ لأنه رواه سعيد بن المسيب عن عتاب، قال أبو داود:"لم يسمع منه"، وقال أبو حاتم:"الصحيح عن سعيد بن المسيب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر عتاباً" فسعيد حينما يقول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر عتاباً يحكي قصة لم يشهدها، فهي مرسلة، وإذا قال: عن عتاب قلنا: أنه لم يسمع منه كما نص على ذلك أبو داود؛ ولكن النووي يقول: أن هذا الحديث وإن كان مرسلاً فهو يعتضد بقول الأئمة" فالخرص لأن أصحاب الأموال إذا أرادوا أن يتصرفوا فيها قبل أن تصير زبيباً أو تمراً، لا بد أن يخرص عليهم، وتقدر ثمارهم، لتثبت في ذممهم الزكاة، فلا بد من الخرص، وإذا خيف من أرباب الأموال جحد شيء من أموالهم فعلى الإمام أن يبعث من يخرص عليهم، كما بعث ابن رواحة يخرص على اليهود في خيبر.
الخارص من شرطه أن يكون عدلاً، وأن يكون خبيراً، عارفاً، ويكفي واحد، ما يقال: هذه شهادة لا بد فيها من اثنين، إنما هي بمثابة الحكم، والحكم يكفي فيه واحد، ومثل ما ذكرنا فائدة الخرص أمن الخيانة إذا شك في أمر صاحب الزرع، أو ترك التصرف لصاحبه إذا أراد أن يتصرف فيه قبل أن يجذ، قبل حصاده، ففائدة الخرص الاحتياط لحق الفقراء؛ لأن صاحب المزرعة إذا كان رطب ويخرف منه كل يوم مائة سطل ويبيعها تزيد وتنقص، ثم بعد ذلك يصعب عليه ضبطها وحسابها، وكم تؤول إليه إذا جفت؟ فذلك يصعب عليه، لا بد أن يأتي خبير يخرص له.
قال الحافظ -رحمه الله-: وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب، فقال لها:((أتعطين زكاة هذا؟ )) قالت: لا، قال:((أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ )) فألقتهما" رواه الثلاثة، وإسناده قوي، وصححه الحاكم من حديث عائشة.
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب، فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ قال:((إذا أديت زكاته فليس بكنز)) رواه أبو داود والدارقطني، وصححه الحاكم.