فإذا تحققت هذه الفائدة من الصيام عرفنا أن الصيام جيء به على الوجه المشروع؛ لأنه مع الأسف الشديد يلاحظ أن بعض الناس يصوم يمسك عن الطعام والشراب والجماع المدة المطلوبة ومع ذلك يزاول المنكرات، يترك الواجبات ويرتكب المحرمات فأين التقوى؟ هل هذا راجع إلى خلف في الوقت والرجاء، أو هذا راجع إلى خلل في الصيام الذي لم يترتب الأثر عليه؟ هذا راجع لا شك إلى خلل في الصيام، فالصيام الذي لا يورث التقوى معناه أنه لم تترتب آثاره عليه، وإن صح في عرف الفقهاء وأجزأ الطلب لكن يبقى أنه لا بد من وجود خلل، ما أتى به على الوجه المشروع؛ فالعبادات التي يرتب عليها آثار المقصود بها العبادات التامة التي تؤدى بإخلاص لله -جل وعلا-، وبمتابعة دقيقة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذ يورث التقوى، أما صيام شخص لم يلاحظ ولم يراعي الواجبات والآداب ولم يترك المحرمات أثناء صيامه ولا بعد صيامه مثل هذا لا تترتب عليه آثار، وقل مثل هذا في سائر العبادات، فالصلاة مثلاً، {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(٤٥) سورة العنكبوت] قد يقول قائل كثير من الناس يصلي ويسرق، يصلي ويزني، كيف نهته صلاته؟ نقول: نعم، هذه الصلاة لم يؤتى بها على الوجه المشروع وإن تحققت شروطها وأركانها وواجباتها وأسقطت الطلب ولم يؤمر بالإعادة لكن فيها خلل. لبها وروحها لم يوجد؛ فالشخص الذي لا ينصرف من صلاته إلا بربعها بخمسها بعشرها مثل هذا لا تترتب آثاره عليها وقل مثل هذا في الصيام، ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينها ما اجتنبت الكبائر)) يعني تصور العبادات التي يؤتى بها على الوجه الناقص الذي لا يكسب صاحبها من جرائها ولا عشر الأجر هذه تكفر الذنوب؟ هذه إن كفرت نفسها يكفي، فننتبه لهذا، فالتقوى يحرص الإنسان عليها، هي وصية الله للأولين والآخرين، وقد أمر بها في نصوص كثيرة، فإذا ترتبت التقوى على الصيام، فعلى الإنسان أن يحمد الله -جل وعلا- ويشكره على التوفيق لهذه النعمة العظيمة.