ماذا يصنع طالب العلم في مثل هذه القضايا الكبار؟ هل نقول لطالب العلم: اترك قواعد المتأخرين فالعبرة بالمتقدمين؟ كما توجد هذه النداءات بقوة، المتقدمون هم أهل الشأن وهم الأصل، ولولا المتقدمون لما أدرك المتأخرون شيئاً، أو نقول: اعتمد قواعد المتأخرين؛ لأنها منضبطة وتسير على نسق واحد؟ هل نقول هذا أو ذاك؟ لا يشك أحد ولا يجادل ولا يماري أن الأصل في الباب الأئمة الكبار المتقدمون الذين يحفظون السنة يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، اللي يحفظ مائة ألف، واللي ثلاثمائة ألف، واللي سبعمائة ألف، واللي ستمائة ألف، من يدانيهم من المتأخرين؟ لكن قد يقول قائل: من يُقلد من المتقدمين؟ في حديث رفع اليدين بعد الركعتين نقلد البخاري وإلا أحمد؟ في حديث:((لا نكاح إلا بولي)) نقلد البخاري وإلا نقلد أبو حاتم ومن معه والدارقطني وجمع من أهل العلم؟ طالب العلم المبتدي عليه أن يتمرن على قواعد المتأخرين؛ لأنها هي التي تؤهله للعمل، يتمرن فيخرج ويدرس ويحكم على قواعد المتأخرين، وكل عمله هذا إنما يصنعه تمريناً، كي يتأهل، وإذا تأهل وعرف كيف يجمع الطرق؟ وكيف يؤلف بين المختلف من هذه الطرق؟ وعرف كيف يرجح؟ وتكونت لديه الأهلية، نقول له: لك أن تحاكي المتقدمين في الحكم بالقرائن، فتحكم بما يترجح عندك، أما قبل أن تتأهل فلا بد من فهم كلام المتأخرين، وتطبيق كلام المتأخرين، ثم بعد ذلك إذا تأهلت من يمنعك؟ ومن تضييع طلاب العلم أن ينادى بين أفراد المتعلمين وهم مبتدئون في أحكام العوام أن يقال: تنبذ قواعد المتأخرين؛ لأنها تخالف ما قرره المتقدمون، لكن هل للمتقدمين قواعد يمكن أن تسلك من البداية؟ ما يمكن؛ لأنه إذا كلف بتقليد المتقدمين يقلد مَنْ مِن المتقدمين؟ هو إذا تأهل صارت لديه الأهلية، وصار من أهل هذا الشأن، له أن يحاكي المتقدمين في أحكامهم بالقرائن، وإلا إذا قيل له قلد من يقلد؟ إذا اختلف المتقدمون على أقوال لا يستطيع أن يقلد، إن قلد الإمام أحمد باستمرار فاته جانب الإصابة عند غيره، وإن قلد غيره باستمرار فكذلك، فإذا تأهل طالب العلم بعد أن يتمرن طويلاً على التخريج والموازنة والمقارنة بين الروايات والطرق والأحكام على الرواة له أن