لأن من أهل العلم من يرى أنه إذا شهد أول اليوم في الحضر ليس له أن يفطر، ومنهم من يرى أنه إذا صام أول النهار في الحضر ثم تلبس بالسبب المبيح للفطر له أن يفطر، سواء ابتدأ الصيام في السفر أو في الحضر، لا فرق. فنحتاج لمثل هذا التفصيل لمعرفة منشأ القولين، من كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدة. أولاً في الحديث ما يدل على الصيام في السفر، وصام النبي -عليه الصلاة والسلام- في السفر، وصام الصحابة في السفر، بصحبته -عليه الصلاة والسلام-، وكان منهم الصائم ومنهم المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم. فالصوم في السفر صحيح، خلافاً لمن أبطله، وقال إنه لا يجزئ لأن الله تعالى يقول:{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [(١٨٤) سورة البقرة]. يعني يلزمه عدة، وإذا لزمته العدة هل يجمع بين البدل والمبدل منه؟ يلزمه البدل، لكن إذا لزم البدل هل يجمع بينه وبين ما أبدل منه، لا على قولهم، لكن الجمهور يقدرون في الآية يقولون: فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فأفطر فعدة من أيام أخر. فالواجب عليه عدة من أيام أخر. فلا يجب عليه عدة إلا إذا أفطر، وهذا التقدير لا بد منه بدلالة الأحاديث الصحيحة الصريحة، وأنه لا يلزمه عدة من أيام أخرى إلا إن أفطر. ((خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس))، يعني صام الناس معه ((ثم دعا بقدحٍ من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام)). أفطر النبي -عليه الصلاة والسلام- بمرأى الناس، فيدل على جواز الفطر في أثناء النهار في رمضان إذا قام السبب المبيح للفطر، إذا قام السبب المبيح للفطر، وهو هنا السفر، والسفر مأخوذ من الإسفار وهو البروز والوضوح والظهور ومنه السفور بالنسبة للمرأة التي تبرز شيئاً مما يجب تغطيته؛ فالسفر الأصل فيه البروز فلا ينطبق الوصف حتى يسفر ويخرج عن البلد ويبرز عنه، ويتلبس بالوصف المبيح للفطر، ((حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ثم دعا بقدحٍ من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك بعد أن أفطر ورآه الناس واستمر بعض الناس على صيامه فقال: إن بعض الناس قد صام