لو نظرنا في سبب ورود الحديث الثاني لوجدناه -كما ذكر أهل العلم- النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمَّة -يعني فيها حمى- فوجدهم يصلون من قعود فقال:((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم))، فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل على أنها نافلة وليست فريضة؛ لأنه لا يمكن أن يصلوا الفريضة قبل مجيئه -عليه الصلاة والسلام- ودل السبب أيضاً على أنهم يستطيعون القيام، ولهذا نقول:((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) في النافلة بالنسبة لمن يستطيع القيام، أما في الفريضة فلا، وغير المستطيع أجره كامل سواءً كان في النافلة أو الفريضة وقد لجأنا في الحديث الثاني إلى خصوص السبب، لماذا؛ لأن عموم اللفظ معارض بعموم أقوى منه.
من ذلكم -من هذه القواعد- وهذا استطراد قد يحتاجه بعض الناس ولكن باختصار شديد- من ذلكم قولهم: الخلاف شر، الخلاف شر، هذا يحتاج إلى تقييد، ما هو بكل خلاف شر، وإلا لو وجدنا أدنى خلاف تركنا العزائم، ارتكبنا الرخص وتركنا العزائم، وعطلنا بذلك الأحكام، لكن لا بد من بيان هذه الأمور بياناً شافياً كافياً، ولعل الله -سبحانه وتعالى- أن ييسر كتابة شيء في مصنف يجمع هذه الأمور التي تطلق لكنه ينبغي تقييدها بالأمثلة إن شاء الله تعالى.
يقول:"وقد لا أذكر معهما غيرهما": يقتصر على الصحيحين مع أن الحديث مخرج في بقية الكتب السبعة.
"وما عدا ذلك فهو مبين": يعني إذا رواه عبد الرزاق، رواه البيهقي، رواه ابن أبي شيبة، رواه الطبراني، رواه الدارقطني يبين ذلك.
يقول:"وسميته بلوغ المرام": هذا اسم علم على هذا الكتاب، سميته: سماه مؤلفه بهذا الاسم (بلوغ المرام) علم على هذا الكتاب، فإذا قيل: البلوغ انصرف إلى هذا الكتاب، وإن كان هناك بلوغ السول مثلاً، لكن صار هذا الاسم علماً على هذا الكتاب.