((لو قلتها لوجبت، الحج مرة، فما زاد فهو تطوع)) يعني من نعم الله -جل وعلا- على المسلمين أن الحج ليس بكل سنة لا يتكرر مثل الصلاة والصيام، رواه الخمسة، ويقول: غير الترمذي وأصله في مسلم، لفظ مسلم خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:((يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)) فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال:((لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم)) ثم قال: ((ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبياءهم)) وفيه: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) والأسئلة في الأمور التي فيها شيء من السعة الخالية من القيود والشروط لا شك أنها قد تكون سبباً في التضييق، وهذا المحظور إنما هو في وقت التشريع، وأما الاستفصال بعد استقرار الأمر وانقطاع الوحي، الاستفصال من أجل أداء العبادة بيقين على وجهها، هذا مطلوب وفيه {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(٤٣) سورة النحل] لكن في وقت التشريع احتمال أن هذا كان مباح، ثم يحرم من أجله، وهذا من أعظم الناس جرماً، من سأل عن شيء مباح ثم حرم من أجله، اليهود لما قال لهم موسى -عليه السلام-: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [(٦٧) سورة البقرة] لو ذبحوا أدنى بقرة وجدوها كفت؛ لكن شددوا فشدد عليهم، ولولا أنهم استثنوا ما ذبحوها، {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [(٦٧) سورة البقرة] فسألوا عن سنها ما هي؟ لا فارض ولا بكر، سألوا عن لونها؟ صفراء، عاملة وإلا غير عاملة؟ لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث، المقصود أنهم سألوا عن بعض القيود فألزموا بها، ولولا أنهم استثنوا ما ذبحوها، وهي أمة بكاملها، تتردد على طريقة اليهود، على طريقتهم في التلكؤ وعدم القبول، أمة تؤمر بذبح بقرة فذبحوها وما كادوا يفعلون، بعد تردد طويل، وفرق بينهم وبين من يؤمر بذبح ابنه فيتله للجبين، يعني الناس يتفاوتون، فهذه أمة كاملة، الشاهد أن مثل هذه الأسئلة في وقت التشريع لا شك أنها مذمومة، وإنما هلك بنو إسرائيل -أو من قبلنا عموماً- بكثرة سؤالهم، جاء النهي عن ذلك: {لاَ تَسْأَلُواْ