دعاوى الإجماع التي ذكرها ابن المنذر، وقل مثله بالنسبة لابن عبد البر أو النووي أو ابن قدامة أو غيرهم لا شك أن كثير منها منقوض لوجود المخالف، ولا يعني أن نقض هذا الإجماع بوجود المخالف أنه يبطل بالكلية لا، يبقى أقل الأحوال أنه قول الجمهور، أقل الأحوال إن لم يثبت إجماع فهو قول عامة أهل العلم، هب أنه وجد مخالف؛ لكن وجود المخالف يسوغ الخلاف؛ لكن لا يبطل أقوال الآخرين، يسوغ الخلاف، ويبقى أن هذا القول له هيبته؛ لأنه أقل الأحوال هو القول الأكثر، فإذا وجد مثل هذا الإجماع إن لم يوجد مخالف لا محيد ولا مناص منه ولا مفر لا بد من العمل به؛ لأن الأمة بكاملها معصومة من الخطأ، إذا وجد مخالف ساغ للمخالف أن يحكم؛ لكن يبقى أن كونه قول عامة أهل العلم له هيبته، الشوكاني يقول:"كثير من دعاوى الإجماع تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع" إن كان المقصود أنه لا يهاب الإجماع باعتباره إجماع، وأنه لا تسوغ ولا تجوز مخالفة هذا شيء، أما كونه لا قيمة له، له قيمة، أقل الأحوال أنه قول الجماهير.
هنا أيضاً يقول: في مسألة الإحرام من ذي الحليفة أو ما دونه من المواقيت، هل الملاحظ عند الجمهور في ذا الحليفة خصوص المسافة كونه أبعد المواقيت أم غيره من المواقيت فله أن يحرم من أيها شاء؟
يعني لو النجدي تجاوز قرن منازل (السيل)، وأحرم من غيره، أحرم من الجحفة أو أحرم من يلملم نفس الكلام، أو مثلاً هو من نجد يريد الحج أو العمرة ومر بالسيل، ثم قال: أنا لا أريد أن أحرم من السيل الآن، فقد بقي على الحج عشرة أيام، عشرين يوم، أروح إلى المدينة وأحرم من ذا الحليفة، وهو مريد من الأصل ما نهزه من بلده إلا الحج، هل نقول: يلزمك أن تحرم من السيل أو تنتظر حتى تذهب إلى المدينة وتحرم من ميقاتهم؟ مقتضى قول الجمهور أنه تجاوز ميقاته المحدد له شرعاً، كما لو تجاوز الشامي ذا الحليفة وأحرم من الجحفة، وهكذا.