وهزم الأحزاب وحده: هذا يجعل المسلم يتعلق بربه ويعتمد عليه ويتوكل عليه، ولا ينظر إلى قوته ولا إلى ضعفه، ولا ينظر إلى قوة عدوه وكثرة جنده وعدده، فمن توكل على الله كفاه، ومن اعتمد عليه وقاه، هذا يفتح آمالاً واسعة للأمة مهما بلغت من الضعف إذا اعتمدت على الله -جل وعلا- ومهما بلغ عدوها من القوة؛ لأن الله –جل وعلا- هزم الأحزاب، فإذا اعتمدنا على الله -جل وعلا- كفانا، أما أن نعترف بالضعف ونستسلم للعدو، العدو عنده قوة، لكن هل هذه القوة تقابل قوة الله -جل وعلا- {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةًِ} [(٢٤٩) سورة البقرة]، ولم نؤمر إلا بإعداد ما استطعنا على أن نرتبط بالله -جل وعلا-، ما ننصرف عن دينه، وننتهك المحرمات، ونعين العدو على أنفسنا ونقول إن الله -جل وعلا- ينصرنا:{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [(٧) سورة محمد]، لا بد من أن نعود إلى ديننا، فالله -جل وعلا- هو الذي هزم الأحزاب وحده، وإلا فالقوة بالنسبة لقوة الكفار في ذلك الوقت ما في مقارنة؛ أحاطوا بالمدينة من جميع الجهات، واستنفروا جميع القبائل، لكن الله -جل وعلا- سلط عليهم الريح فشردتهم.
ثم دعا بين ذلك ثلاث مرات: يعني يكرر التوحيد والتكبير والدعاء ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة: يعني شرع في السعي، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي: بين العلمين المعروفين.
سعى: يعني جرى جرياً شديداً -عليه الصلاة والسلام- حتى أن الركب تبين من تحت الإزار من شدة السعي، حتى إذا صعدتا: يعني وصل الميل الثاني مشى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، استقبل البيت ووحد وكبر ودعا ثلاثاً.
فذكر الحديث: يعني ذكر بقية الحديث.
وفيه فلما كان يوم التروية: الآن القارن يكتفي بهذا، إذا وصل البيت طاف وسعى، ثم ينتظر وهو في إحرامه؛ لأنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله من ساق الهدي، أما من لم يسق الهدي فيقصر ويحل الحل كله وهذا هو المتمتع، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، وهو اليوم الثامن من الحجة يسمونه يوم التروية؛ لأنهم يتروون فيه ويتزودون من الماء؛ لأن المشاعر ليس فيها ماء.