فنحر ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأفاض إلى البيت: يعني بعد أن رمى ونحر وحلق شعره أفاض إلى البيت فطاف به طواف الإفاضة، هو طواف الركن -ركن الحج والذي لا يصح إلا به-.
فصلى بمكة الظهر: بعد أن طاف طواف الإفاضة صلى الظهر، وجاء من حديث ابن عمر -وهو صحيح- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر بمنى، وهنا يقول صلى بمكة الظهر، ولعله -عليه الصلاة والسلام- صلاها بمكة ثم أعادها بأصحابه لما رجع إليهم بمنى، والحديث على طوله محل عناية من أهل العلم، منهم من تكلم على فقهه، ومنهم من جمع طرقه ورواياته، وللشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- كتاب اسمه حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر فيه هذا الحديث برواياته فأجاد وأحسن -رحمة الله عليه-، وابن المنذر صنف فيه جزءاً كبيراً تكلم على فوائده واستنبط منه ما يزيد على مائة وخمسين فائدة، وبعضهم ضعف هذا العدد ذكر، وأجملنا الكلام فيه؛ لأن ظرف الدورة ما يسمح للإفاضة وهناك أربعة أشرطة متداولة ومعروفة في شرح حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- من أراده رجع إليها.
قال الإمام الحافظ ابن حجر: وعن خزيمة بن ثابت -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار"[رواه الشافعي بإسناد ضعيف].
هذا الحديث الذي ذكره الحافظ عن خزيمة بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة: يعني فرغ من التلبية كلها، والفراغ من التلبية إنما يكون برؤية البيت أو بالاستلام أو بمباشرة رمي الجمرة، إذا فرغ منها سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار، والخبر ضعيف لا يثبت بمثله حكم، ضعيف؛ لأنه من رواية أبي واقد صالح بن محمد بن أبي زائدة، وهو ضعيف عند أهل العلم.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نحرت هاهنا ومنىً كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف)) [رواه مسلم].