للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرخصة في الأصل هي التيسير والتسهيل، ومن ذلكم قول الناس: رخصت الأسعار، بأن صارت سهل ميسرة لعموم الناس، والرخصة في اصطلاح أهل العلم: ما شرع من الأحكام لعذر مع قيام المانع لولا ذلك العذر، ويعرفونها أيضاً بأنها: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، فأكل الميتة ثبتت على خلاف الدليل الشرعي؛ لأن الله حرم الميتة، والعرايا ثبت على خلاف الدليل الشرعي؛ لأن بيع التمر بالتمر لا بد فيه من التساوي، ولا يباع الرطب بالجاف؛ لأن الجاف ينقص، ((أينقص الرطب إذا جف؟ )) أو إذا يبس؟ قالوا: نعم قال: ((فلا إذاً)) هذا الأصل، وذلكم لأن المساواة لا تتحقق، وهنا العرايا رخص فيها بالدليل الشرعي، فهي جاءت على وفق دليل شرعي، جاءت بدليل شرعي على خلاف دليل شرعي متقدم، وإلا فثبوتها بدليل شرعي، ولذا الرخص عامتها إنما يقتصر فيها على موارد الأدلة، ولا يتوسع فيها، بحيث لو احتاج الناس أو احتاج بعض الناس إلى محرم أشد من حاجة من احتاج إلى العرايا نبيح لهم المحرم بالدليل بالنص؛ لأنه احتاج إلى هذا الأمر أشد من حاجة صاحب العرية إلى العرية، الأصل العزيمة، والرخصة على خلاف ذلك الأصل فيقتصر في الرخص على مواردها؛ لأن بعض الناس وهو في بيته عليه من المشقة في الصيام وفي توقيت الصلاة أكثر من مشقة المسافر، نقول: يرخص له أن يجمع وأن يفطر وهو في بيته؟ افترض شخص ما عنده مكيفات ومسافر سافر بالطائرة أيهما أشد مشقة؟ في عز الصيف ما عنده مكيف وهو في بيته، وهذا مسافر بالطائرة السفر مدته ساعة، ويصل إلى فندق، والطائرة مكيفة، والوسيلة بين الطائرة والبيت وبين الطائرة إلى المسكن الجديد أيضاً مريحة أيهما أشق؟ لا شك أن الذي في بيته هذا إن سلم من مزاولة الأعمال الشاقة، المسافر أسهل مشقة من المقيم، ونادى بعض المفتونين بجواز فطر العمال؛ لأن عليهم من المشقة أكثر مما على المسافرين، وعلى هذا يفطرون، نقول: لا يا أخي الرخصة جاءت على خلاف الأصل، على خلاف الدليل الشرعي، فيقتصر فيها على مواردها، ولا يتوسع فيها، على موارد النصوص فقط.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: