وابن العربي يزعم أن من شرط الإمام البخاري ألا يخرج حديثاً تفرد به راو واحد، بل لا بد من تعدد الرواة، هذا شرطه في صحيحه -على حد زعم ابن العربي- والكرماني الشارح -شارح البخاري- وإليه يؤمئ كلام الحاكم، أن الإمام البخاري لا يصحح الحديث -شرط لصحة الحديث- أن يروى من أكثر من وجه -من أكثر من طريق- وهذا القول كما هو معروف مردود، يرده الواقع -واقع الصحيح-؛ فأول حديث في الصحيح غريب تفرد به عمر -رضي الله عنه- وتفرد بروايته عنه علقمة بن وقاص، وتفرد بالرواية عنه محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد بروايته عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وعنه انتشر، وكذلك آخر حديث في الصحيح:((كلمتان خفيفتان على اللسان ... )) إلى آخره، تفرد بروايته أبو هريرة، وعنه أبو زرعة عمرو بن جرير البجلي، وعنه محمد بن فضيل، نعم؟
على كل حال مثله مثل الحديث الأول، التفرد وقع في أربع طبقات من إسناده، وغرائب الصحيح موجودة وفيها كثرة، منه حديث ابن عمر في النهي عن بيع الولاء والهبة، وهبته، كل هذه غرائب ترد هذه الدعوى، ولذا يقول الصنعاني في نظم النخبة بعد أن عرف العزيز أنه ما رواه اثنان قال:
وليس شرطاً للصحيح فاعلم ... وقد رمي من قال بالتوهم
ولا شك أن هذه غفلة ممن يشرح الصحيح ويزعم أن هذا شرط البخاري، وغرائب الصحيح ترد هذا القول، والغريب أنه يفهم أيضاً من كلام البيهقي.
على كل حال الحديث صحيح، ولا يلزم لصحة الخبر تعدد الطرق، وراويه أبو هريرة راوية الإسلام وحافظ الأمة، اشتهر بكنيته، والمعروف والمطَّرد أن من اشتهر بشيء نسي غيره، فمن اشتهر بالكنية نسي الاسم، ومن اشتهر بالاسم نسيت الكنية.
فأبو هريرة أختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولاً، لكن المرجح عند الأكثر أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أسلم عام خيبر وتوفي سنة تسع وخمسين.
ومن اشتهر بالكنية -كما هنا- يضيع اسمه سواءً كان من المتقدمين أو من المتأخرين.
من منكم من يعرف اسم أبي تراب الظاهري؟ نعم، اشتهر بالكنية لكن الاسم.