"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية" قبول الهدية لا شك أنه من مكارم الأخلاق، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل الهدية، لكن ليس معنى هذا أن يستشرف الإنسان لكل يدٍ تمد ليرى ما فيها هل فيها شيء يهدى إليه، فالاستشراف ليس من شأن المسلم، ولا من شأن الكرام، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أهدي إليه يقبل من غير استشراف بهذه الهدية، ومن غير أن تؤثر في نفسه الضعة، والنظر إلى أيدي الناس، ولذلكم كان -عليه الصلاة والسلام- يثيب عليها، فيثيب عليها أكثر منها، والهدية بنية الثواب هذه عند أهل العلم حكمها حكم البيع، وليست معنى الهدية التي تسل السخيمة، وتورث المحبة والمودة بين المتهادين، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هذه من عادته، ومن شمائله -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يرد الهدية؛ لأن مرد الهدية يورث في قلب المهدي شيئاً من الضيق؛ لأنه تذهب به الأوهام كل مذهب إذا ردت هديته بيده، ولذلكم لما جاء أبو جهيم بكسائه الذي أهداه للنبي -عليه الصلاة والسلام- قبله ما رده، ومع ذلكم هذا الكساء كان مخططاً ومعلماً فصلى فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- فشغله عن صلاته، نظر إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة فلما سلم قال:((أعطوا أبا جهيم هذا الكساء، وأتوني بأمبجانيته)) من أجل إيش؟ ألا ينكس قلبه، فيعرف أن الرد لسبب معين لا يرجع إلى ذاته، وإنما يرجع إلى المهدى، وكونه لا يليق به، فلو أهدي إلى الإنسان لا يليق به ولو كان ثميناً، أهدي إليه قلم ذهب مثلاً أو ساعة ذهب، فردها وقال: أعطني غيرها مما لا يحرم لبسه على الرجال، هذا لا شك أن فيه جبراً لخاطر المهدي، فرد الأعلى لا يقتضي رد الأدنى، فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يثيب عليها أكثر منها، يثيب عليها ما هو خير منها كما جاء عند ابن أبي شيبة، وفي الحديث الذي يليه، وهذه معروفة عند أهل العلم بالهبة التي يرجى من ورائها الثواب في الدنيا لا في الآخرة، ولها أصل شرعي، الإنسان يقدم لمن هو أكبر منه قدراً، فيرجو ما عنده من ثواب، وهذه لا أجر فيها؛ لأن الأعمال بالنيات، فإذا قدم لأمير أو لكبير أو لوزير، أو لغني هدية، ويقصد