"ولأبي داود والنسائي: ((لا ترقبوا ولا تعمروا فمن أرقب شيئاً أو أعمر شيئاً فهو لورثته)) " وذلكم لأن العطية المؤقتة المحددة بوقت لا شك أن هذا التحديد فيه نوع من الرجوع في الهبة، وهو إن كان لم يهب هبةً مطلقة إلا أنه إذا قال: هي لك مدة عمرك فهي لمن أعمرها، وإذا قال: هي رقبى لك بمعنى أنها متعلقة برقبتي أو رقبتك مدة وجودي أو وجودك، وكل منهما يترقب موت الآخر فهذه أيضاً لمن أرقبها، لكن إذا قال له وصرح له بأنك إذا مت تعود إليّ فهو على ما اشترط، والمسلمون على شروطهم، كما قال: فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها، نعم.
وعن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: حملت على فرسٍ في سبيل الله فأضاعه صاحبه فظننت أنه بائعه برخص، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال:((لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم)) الحديث متفق عليه.
في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: حملت على فرسٍ في سبيل الله" يعني في الجهاد، شخص يريد الجهاد وليس عنده ما يحمل عليه، ليس عنده ما يركب، ليس عنده فرس فأعطاه عمر فرس فحمله على فرس بمعنى أنه أعطاه إياه ليجاهد عليه فأضاعه صاحبه بعد أن رجع من الجهاد، أو قبل أن يذهب إلى الجهاد أضاعه صاحبه، وأهمله الذي حمل عليه، فرأى عمر -رضي الله عنه- زهده في هذا الفرس فظن أنه بائعه برخص، والقرينة تدل على ذلك، لو كان في نظره أثيراً غالياً لاهتم به واعتنى به، لكنه أضاعه وأهمله فظن عمر فالقرينة التي تدل على ذلك أنه بائعه برخص، فبدلاً من أن يكون بخمسمائة درهم ظن عمر أنه يبيعه ولو بمائة درهم، لكن عمر -رضي الله تعالى عنه- قبل أن يتصرف وقبل أن يشتري وقبل أن يكلم هذا الشخص سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم لا يقدم على تصرف يشك فيه إلا بعد أن يسأل أهل العلم "فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك فقال:((لا تبتعه -يعني لا تشتره- ولو أعطاكه بدرهم)) الحديثَ" منصوب على إرادة أكمل الحديث "متفق عليه" بين الشيخين، فرواه البخاري ومسلم.