للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفرق بين القصتين أن المردود صيد من أجله -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الذي صاده هذا الحمار الوحشي الذي أكل منه النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يصد من أجله، فالذي يحرم ما صاده المحرم أو في الحرم أو صيد من أجله، بينما إذا صاده حلال فإنه يباح لغيره أن يأكل منه ولو كان محرماً إذا لم يصد من أجله، وفيه دليل على أن الحمار الوحشي مأكول، ونقل فيه في إباحته الإجماع، ومنطوق حديث الباب يدل على حله، كما أن مفهوم النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية يدل على حله أيضاً على ما تقدم.

قال: "وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه" تقدم الكلام في أكل لحم الخيل، وأن السنة الصحيحة الصريحة دلت على حل أكله، وهنا تقول: "نحرنا" والمعلوم أن النحر إنما يكون للإبل، وهو الطعن في اللبة بخلاف الذبح الذي هو فري الأوداج، وأهل العلم يقررون أن الإبل تنحر، وما عداها يذبح، ويقررون أيضاً جواز نحر ما يذبح، وذبح ما ينحر، وقد يتجوز في التعبير والإطلاق، فيطلق على الذبح نحر، وعلى النحر ذبح، وهنا قالت: "نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا يلزم أن يكون نحر هذا الفرس مثلما تنحر الإبل كما هو معلوم، وإلا فالخيل السنة فيها كما هو في غيرها من بهيمة الأنعام أنها تذبح، وأن النحر خاص بالإبل، ولو قيل بأن الخيل أيضاً تنحر لهذا الحديث كالإبل لما بعد، وجمهور أهل العلم على أن النحر خاص بالإبل.

وهذا من أدلة الجمهور في جواز أكل لحم الخيل، وقد تقدم الكلام فيه، والإجابة عن أدلة المخالفين.

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أُكل الضب على مائدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" متفق عليه" قدم للنبي -عليه الصلاة والسلام- فمد يده ليأكل فأخبر أنه لحم ضب، فامتنع -عليه الصلاة والسلام-، وقال: إنه يجد نفسه تعافه؛ لأنه لم يكن بأرض قومه، وأكل على مائدته، يقول خالد بن الوليد: فاجتررته فأكلته، فحل أكله بالسنة التقريرية، أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من أكله على مائدته، فهذا دليل للجمهور على أنه مأكول.