والقضاء هو بيان الحكم للمتخاصمين المتنازعين المختلفين مع الإلزام به، وبهذا يفترق ويختلف عن الفتوى التي هي بيان الحكم من غير إلزام، فإذا احتيج إلى الخصومة بين طرفين مع الحاجة الداعية إلى إلزام أحدهما بالحكم فهو قضاء، وإن احتيج إلى بيان الحكم لتبرأ الذمة ويخرج من العهدة مع غير إلزام له بذلك، وتتبع إلزام بشري، أما إلزام إلهي فنتيجة الفتوى أيضاً ملزمة، إذا سأل من تبرأ الذمة بتقليده من أهل العلم، وأمره بشيء لزمه اعتماد قوله، وإذا حصل له أمر من أمور دينه أو دنياه ثم سأل من أهل العلم من تبرأ الذمة بتقليده إنه لا يجوز له أن يسأل عن حكم شرعي ويقال له: يجب عليك كذا، أو يحرم عليك كذا، أو يلزمك كذا، ثم يقول: إن هذه فتوى والفتوى من غير إلزام، نقول: لا فيها إلزام من الله -جل وعلا-، لكن ما في أحد يتتبعك ويلزمك بما أفتيت به، بينما القضاء فيه إلزام؛ لأن فيه أكثر من طرف، والحق فيه لآدمي فتلزم بنتيجة القضية، أو يلزم خصمك إن كان الحق لك، بينما الفتوى في أمور الديانة في أبواب الدين، لكن ليس هناك من يتتبعك؛ لأنها في الغالب بينك وبين ربك، لكن لا يسعك أن إذا سمعت الفتوى ممن تبرأ الذمة به، وأفتاك بما يلزمك فعله، أو يلزمك تركه، أن تقول: أنا بالخيار هذه فتوى، لا، لكن المراد بالإلزام وعدم الإلزام هنا أنه في القضاء والخصومات أطراف متنازعة، فإما أن يكون الحق لك، وحينئذٍ يلزم خصمك، أو يكون الحق عليك فتلزم حينئذٍ بأداء هذا الحق، لكن لو أفتي شخص فقيل له: عليك كفارة، ما في من يتابعك ويلزمك بإخراج هذه الكفارة، لكنك إن لم تخرجها فأنت آثم، فأنت ملزم من قبل الرب -جل وعلا-، وهذا فرق بين الأمرين، هناك أمور يعتريها أو يتجاذبها وينتابها الأمران، طلق امرأته فذهب يسأل هذا الطلاق واقع أو غير واقع؟ لفظ بالطلاق، يسأل من أهل العلم، يستفتي هل يقع أو لا يقع؟ فيشرح ما وقع بالتفصيل، فيقول له: الطلاق وقع، أو يقول: الطلاق لم يقع، إن تدخلت المرأة أو ولي أمرها في ذلك فهي خصومة فيها إلزام، وإن جاء يستفتي فالمسألة بينه وبين ربه، يلزمه شرعاً أن يعمل بما أفتي به كسائر الفتاوى، لكن إذا لفظ بالطلاق قال لزوجته: أنت طالق، وفي نيته