فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في آخر كتاب من كتب الأحكام في هذا الكتاب النفيس بلوغ المرام في كتاب العتق، وأهل العلم يختلفون في وضع هذا الكتاب، فمنهم من يجعله في آخر باب من أبواب الكتب، سواء كانت من كتب الأحاديث، أو من كتب الفقه، تفاؤلاً بأن يعتق الله رقابهم من النار بعد أن فرغوا من هذا العمل الجليل، وبعد أن أتموا مدتهم في هذه الحياة، فالخاتمة مع الخاتمة، وبعضهم يقدمه فيجعله في آخر المعاملات المالية، قبل كتاب النكاح؛ لأن فيه شوب مال، فالعبد الرقيق مال يباع ويشترى، فعتقه تفويت لهذا المال، وإن كان فيه أجر عظيم، ففيه شوب من المالية، فيجعلونه في آخر مباحث ما يتعلق بالأموال، يعني في آخر الربع الثاني من أرباع الفقه الذي يبنى عليها الفقه العبادات ثم المعاملات ثم الأنكحة ثم الجنايات في النهاية، فإما أن يوضع عند بعض أهل العلم في آخر الربع الثاني، أو في آخر الربع الرابع، ولكل وجهة، وهذا له وجه وهذا له وجه، وعلى كل حال العتق مصدر عتق يعتق عتقاً، والإعتاق مصدر أعتق، فهو معتق وعتيق، فعيل بمعنى مفعول، وكل من تحرر من شيء فهو عتيق، فالعبد إذا أعتقه سيده وتحرر من خدمته وصار حراً يتصرف تصرف الأحرار فهو عتيق ومعتق، والبنت إذا بلغت وتهيأت للخطاب عتقت عن امتهان والديها، ولهذا جاء في الحديث:"أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور" فإذا عتقت من امتهان والديها وإخوتها في خدمتهم في بيت الأسرة الأول يقال لها: عاتق، فكل من تحرر من شيء فهو معتق وعتيق، فمن أعتقه فهو معتِق، وهو معتق وعتيق، والرقبة التي يعبر بها عن العبد باعتبار أنه كالمأثور الذي وضع في رقبته حبل، وأوثق بهذا الحبل؛ لئلا ينفلت فيحتاج إلى فك، وجاء الترغيب في العتق، وفي فك الرقاب، وهذا يشمل الأرقاء في تحريرهم من الرق والعبودية، ويشمل أيضاً الأسير، فمن فك الأسير، فك العاني فإنه له الثواب العظيم، والأجر عند الله -جل وعلا-، بحيث مكن هذا الرجل أو هذه المرأة من عبادة الله -جل وعلا- من غير تسلط على أحد، قد يقول قائل -وهذا الذي يثار من الشبه التي تثار على الإسلام وعلى التشريع الإسلامي-: إنه كيف يكون إنسان يتسلط على إنسان، وحقوق الإنسان