وأما ابن القيم فقد أكد على تأكد الغسل، وإن لم يصرح بوجوبه، إنما قال: الأمر بالغسل يوم الجمعة مؤكد جداً، يعني كأنه يقرب من الوجوب، فلم يصرح بالوجوب، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر يعني عند من يقول بوجوب الغسل كالحنفية، مع أنه جاء الأمر:((أوتروا يا أهل القرآن)) وأقوى من قراءة البسملة في الصلاة يعني عند الشافعية، ووجوب الوضوء من مس النساء إما مطلقاً عند الشافعية، أو مع شهوة عند الحنابلة، ووجوبه لمس الذكر كما يقول الحنابلة على ما تقدم، ووجوبه من القهقهة في الصلاة كما يقول الحنفية، عند الحنفية القهقهة مبطلة للوضوء، ومن الرعاف، ومن الحجامة وغيره، المقصود أن ابن القيم لم يصرح بالوجوب، إنما قال بالاستحباب المؤكد جداً، بل هو قريب من الوجوب، فإذا قلنا: بوجوب هذه الأمور فهو أوجب منها وآكد.
وعلى كل حال قول جماهير أهل العلم على أن غسل الجمعة يتأكد استحبابه، ولا يليق بالمسلم تركه، والغسل أفضل، قصة عثمان سمعناها، الحديث هذا الذي يعتمد عليه عامة أهل العلم حديث سمرة بن جندب درجته؟ هو من رواية الحسن عن سمرة، من رواية الحسن عن سمرة، والخلاف بين أهل العلم معروف في صحة سماع الحسن من سمرة، منهم من يرى أن الحسن سمع من سمرة بإطلاق، وتحمل عنعنته عن سمرة على الاتصال، ومنهم من يقول: إنه لم يسمع عنه مطلقاً، والحسن مدلس -رحمه الله تعالى-، ومنهم من يقول كما جاء في صحيح البخاري: سمع من سمرة حديث العقيقة، قال حبيب بن الشهيد كما في صحيح البخاري: قال لي ابن سيرين: ممن سمع الحسن حديث العقيقة؟ فقال: من سمرة، فبهذا النص، أي على هذا النص يعتمد من يثبت سماع الحسن من سمرة مطلقاً، يقول: إنه سمع منه حديث واحد، والأصل أنه ثقة، ولماذا لا نحمل البقية على السماع؟ والمعروف أن الحسن مدلس، بل كثير التدليس -رحمه الله تعالى-.
على كل حال سماع الحسن من سمرة فيه خلاف، أما حديث العقيقة فلا إشكال فيه، وما عداه محل خلاف، ومنه ما عندنا، لكن الحديث حسنه الترمذي، حسنه جمع من أهل العلم، وله طرق أخرى تشهد له، والله المستعان.