الإمام البخاري لا شك أنه يتحرى ويتحرز في الألفاظ لكنه لا يبين هل هو لفظ فلان أو فلان ما داموا كلهم على شرطه، مع أن الحافظ ابن حجر نص على أنه ظهر بالاستقراء من صنيع الإمام البخاري أنه إذا روى الحديث عن أكثر من واحد فإن اللفظ يكون للأخير.
فعلى هذا ينبغي أن تتجه الهمم وعنايات طلاب العلم بعد حفظ هذه المختصرات بصحيح البخاري، بصحيح البخاري وأعني به الأصل، وأعني به الأصل الذي صنفه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري؛ لأن من اعتنوا بالمختصرات وإن كانوا على خير عظيم -إن شاء الله- ويرجى لهم النفع ومنهم أيضاً، إلا أن المختصرات أخلت بكثير من مقاصد الإمام، ولو لم يكن في ذلك إلا فقه الإمام -رحمه الله تعالى- ومعرفة الأسانيد فهي مما ينبغي أن يعتني به طالب العلم، والأحاديث وإن كانت صحيحة فإن في أسانيدها من الفوائد واللطائف ما لا يستغني عنه طالب العلم.
وإذا ضربنا مثالاً يبين لنا أهمية هذه الأصول، فلننظر إلى أحاديث الرقاق مثلاً من صحيح البخاري، عدتها مائة وثلاثة وتسعين، فيها أكثر من مائة وخمسين ترجمة، والتراجم -تراجم الإمام- هي فقهه واستنباطه، وإذا نظرنا إلى المختصر فإذا فيه سبعة أحاديث، وهذه السبعة الأحاديث أولاً: ما فيها تراجم أصلاً، الأمر الثاني: أننا حرمنا من أكثر من مائة وعشرين ترجمه هي فقه الإمام.
وإذا أراد الشخص أن يبحث في هذا الموضوع المتكامل في الصحيح ثم رجع إلى المختصر، فإنه لن يظفر بطلبته؛ لأن المختصر وظيفته حذف المكرر، وجل هذه الأحاديث تقدم.
فإذا قارنا بين مائة وثلاث وتسعين حديث وسبعة أحاديث وجدنا الفرق كبيراً جداً، وهذا يبين لنا أهمية العناية بالكتب الأصلية، فتراجم الأئمة هي فقههم، فنعتني بتراجم البخاري.