للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده)) " هذا قسم، كثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا ((والذي نفسي بيده)) وفي هذا القسم على الأمور المهمة ولو من غير استحلال، ولا يتعارض هذا مع قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(٢٢٤) سورة البقرة] لأن هذا مهم، يحتاج في تثبيته وتأكيده إلى مثل هذا القسم، وقد أمر الله -جل وعلا- نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه في يونس، وفي سبأ، وفي التغابن، فالأمور المهمة يقسم عليها ولو من غير استحلاف.

((والذي نفسي بيده)) نفسه -عليه الصلاة والسلام- يعني روحه بيده، بيد الله -جل وعلا-، وفي هذا إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وإن كان أكثر الشراح درجوا على تفسير هذا القسم بقولهم: "الذي روحي في تصرفه" ولا شك أن أرواح العباد في تصرف الله -جل وعلا-، لكن إن كان المراد بهذا التفسير الفرار من إثبات صفة اليد فهو مردود، وإلا فمعناه صحيح، وإثبات اليد لله -جل وعلا- محل اتفاق بين سلف هذه الأمة وأئمتها على ما يليق بجلاله وعظمته.

((والذي نفسي بيده لقد هممت)) اللام واقعة في جواب القسم، "قد هممت" الهم: مرتبة من مراتب القصد، أولها: الخاطر، ثم الهاجس، ثم حديث النفس، ثم الهم، ثم العزم ((لقد هممت)) قد يقول قائل: هذا ليس فيه دليل لأنه مجرد هم، حديث النفس معفو عنه، الخاطر معفو عنه، الهاجس معفو عنه، الهم؟ ماذا عن الهم؟ ((إذا هم أحدكم .. )) إذا هم بالسيئة تكتب عليه وإلا ما تكتب؟ إذا لم يفعلها ولم يتحدث بها؟ يعني هل الهم مثل حديث النفس معفو عنه؟ إذا هم بخير أجر عليه، وإذا هم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها أو يفعلها، هنا الهم بالتحريق، المخالف يقول: إنه مجرد هم، والهم لا أثر له، ولذا يقول الناظم في مراتب القصد، يقول:

مراتب القصد خمس هاجس ذكروا ... فخاطر فحديث النفس فاستمعا

جيليه همٌ فعزمٌ كلها رفعت ... إلا الأخير ففيه الأخذ قد وقعا