وهذا رجل أعمى، الأصل أن مثله لا سيما إذا كان ليس له قائد، وفي طريقه العوائق من الأودية والأشجار أنه معذور، عتبان بن مالك وحديثه في الصحيح لما كف بصره طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يزوره ليصلي له في مكان يتخذه مسجداً، وفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، زاره وصلى، واتخذه مسجداً، هل هناك معارضة بين حديث ابن أم مكتوم وحديث عتبان؟ نعم ما في دليل على أن عتبان يسمع النداء من جهة، الأمر الثاني: أن عتبان أراد أن يقيم الجماعة في حيه، في بيته، فإذا لم يسمع النداء له أن يقيم الجماعة في بيته أو في حيه، هذا إذا لم يسمع النداء، فهو محمول على أن عتبان لا يسمع النداء، أقول: في معارضة بين حديث ابن أم مكتوم وبين حديث عتبان؟
طالب: لا توجد معارضة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- عذر عتبان وجاء إلى بيته وصلى له فيه؛ ليتخذ له مسجداً بعد أن كف بصره، وعذره مثل عذر ابن أم مكتوم، هذا أعمى وذاك كف بصره فاحتاج أن يصلي في بيته، فالفارق أنه هنا صرح بسماع النداء وهناك لم يصرح به لا وجوداً ولا عدماً، وهو محمول على أنه لا يسمع النداء، منهم من يقول: إن حديث ابن أم مكتوم محمول على الندب وإلا عذره يبيح له التخلف عن الجماعة، لكن الحديث فيه قوة، ((هل تسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال:((فأجب)) فالأمر ثابت والحكم معلل بسماع النداء، ولا يمكن صرفه إلا بصارف قوي، نعم بعض العميان يتفاوتون، بعض العميان إذا لم يكن له قائد يضل، هم يتفاوتون، ولعل النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى في ابن أم مكتوم من الفطنة والفراسة ما يستطيع معها أن يصل إلى المسجد بسهولة، وإلا بعض العميان مجرد ما يطلع من البيت يتوه يضيع، هم متفاوتون، والمبصرون أيضاً متفاوتون، والأصل أن الحرج والمشقة مرفوع في الشرع، ((إن الدين يسر، ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه)) لكن ليس معنى هذا أننا نتنصل من الواجبات بحجة أن الدين يسر، الدين كما هو دين يسر هو دين تكاليف، دين ابتلاء، دين امتحان، والجنة حفت بالمكاره، فلا نخلط بين هذا وهذا.