وفي نظائر ذلك، مما وَصفوه بفَساد النظْم، وعابوه من جهة سوء التأليف، أَنَّ الفسادَ والخللَ كانا مِن أنْ تعاطى الشاعرُ ما تَعاطاهُ من هذا الشأن على غير الصواب، وصنَعَ في تقديم أو تأخيرٍ أو حذفٍ وإِضمارٍ أو غير ذلك ما ليس له أن يَصْنعَه، وما لا يَسوغُ ولا يَصِحُّ على أصول هذا العلم. إذا ثبَتَ أنَّ سببَ فسادِ النظام واختلاله، أنْ لا يعمل بقوانين هذا الشأنِ، ثبَتَ أنَّ سبب صحته أنْ يَعملَ عليها؛ ثم إِذا ثبَتَ أنَّ مستَنْبَطَ صحته وفساده من هذا العلمِ، ثبَتَ أنَّ الحكْم كذلك في مزيته والفضيلة التي تعرضُ فيه. وإذا ثبتَ جميعُ ذلك، ثبتَ أنْ ليس هو شيئاً، غيرَ تَوخِّي معاني هذا العِلْمِ وأحكامِه فيما بين الكَلِم، والله الموفق للصواب.
وإذْ قد عرفْتَ ذلك، فاعمَدْ إلى ما تَواصَفُوه بالحُسْن، وتَشاهَدوا له بالفضْل، ثم جعلوه كذلك، من أجل النظْم خصوصاً دون غيره، مما يُستحسَنُ له الشعرُ أو غيرُ الشعر من معنى لطيفٍ أو حكمةٍ أو ادبٍ أو استعارةٍ أو تجنيسٍ أو غيرِ ذلك، مما لا يَدخلُ في النظم، وتأَمَّلهْ؛ فإذا رأيتَكَ قد ارتحْتَ واهتززْتَ واستحسنْتَ، فانظرْ إلى حرَكات الأريحيَّةِ ممَّ كانتْ وعندَ ماذا ظهرَتْ؟ فإنك تَرى عِياناً أَنَّ الذي قلتُ لك كما قلتُ. إعْمِدْ إلى قول البحتري [من المتقارب]:
بَلَوْنا ضَرائبَ مَنْ قد نَرى ... فما إنْ رأَينا "لِفتح" ضَريبا
هو المرءُ أَبْدتْ له الحادِثا ... تُ عَزْما وَشِيكا ورأيا صَليبا
تنقَّلَ في خْلُقَيْ سُؤددٍ ... سَماحاً مُزَجَّى وبأساً مَهيبا
فكالسيف إنْ جئتَه صارخاً ... وكالبَحْر إن جئتَه مُسْتثيباً