فإذا رأيتَها قد راقَتْك وكثرتْ عندك، ووَجدْتَ لها اهتزازاً في نفسك، فعُدْ فانظرْ في السبب، واستقْصِ في النظر، فإنك تَعلمُ ضرورةً أنْ ليس إلاَّ أَنه قدَّم وأخَّر، وعرَّف ونَكَّر، وحذفَ وأضمرَ، وأعادَ وكرَّر، وتوخَّى على الجملة وجْهاً من الوُجوهِ التي يَقْتضيها علْمُ النحو، فأصاب في ذلك كلِّه، ثم لَطُفَ مَوضعُ صَوابه، وأتى مأتًى يُوجِبُ الفضيلةَ. أفلا ترى أنَّ أولَ شيءٍ يَروقُكَ منها قوله "هو المرءُ أبدت له الحادثاتُ" ثم قوله: "تنقلح في خُلْقَيْ سؤددِ"، بتنكير "السؤدد" وإضافة "الخُلُقين" إليه، ثم قولُه "فكالسيف" وعطفُه (بالفاء) مع حذفه المبتدأ، لأنَّ المعنى لا محالة فهو كالسيف. ثم تكريرُهُ (الكاف) في قوله "وكالبحر"؛ ثم أنْ قرَنَ إلى كل واحدٍ من التشبيهين شرطاً جوابُه فيه؛ ثم أَنْ أخرجَ من كل واحدٍ من الشرطين، حالاً على مثال ما أخرَجَ مِن الآخرِ، وذلك قوله "صارخاً" هناك، "ومستثيباً" هاهنا. لا نرى حُسْناً تَنسِبُه إلى النظم ليس سَببُهَ ما عددتُ، أو ما هو في حُكْم ما عددتُ، فاعْرفْ ذلك!
وإن أردتَ أَظْهرَ أمراً في هذا المعنى، فانظرْ إلى قول إبراهيم بن العباس [من الطويل]: