فإنك ترى ما ترى من الرَّوْنَقِ والطلاوةِ، ومن الحُسْن والحلاوة، ثمَّ تتفَّقدُ السببَ في ذلك، فتَجدُه إنما كان من أَجْل تقديمهِ الظَّرْفَ الذي هو "إذْ نَبَا" على عامله الذي هو "تكون"، وأَنْ لم يَقُلْ:(فلو تكون عن الأهواز داري بنجوةِ إذ نبا دهرٌ). ثم أَنْ قال "تكونُ" ولم يقُلْ "كان"؛ ثم أَنْ نكَّر "الدهر" ولم يِقُلْ "لو إذ نبا الدهر"؛ ثمَّ أنْ ساقَ هذا التنكيرَ في جميع ما أَتى به من بَعْد؛ ثم أَنْ قال "وأَنْكَرَ صاحبٌ"، ولم يقُلْ:(وأنكرتُ صاحبا)؛ لا نَرى في البيتين الأَولين شيئاً غيرَ الذي عدَدْتُه لك تجعلُه حَسْناً في النظم، وكلُّه من معاني النحو، كما ترى. وهكذا السبيلُ أبداً في كل حُسْنٍ ومَزيَّة رأيتَهما قد نُسبا إلى النظم، وفَضْلٍ وشَرفٍ أُحِيلَ فيهما عليه.