واعلمْ أنَّ مِن الكلام، ما أنتَ تَرى المزيَّةَ في نَظْمه والحُسْنَ، كالأجزاء من الصِّبْغ تَتلاَحقُ، وينْضَمُّ بعضُها إلى بعض حتى تَكْثُرَ في العين؛ فأنتَ لذلك لا تُكْبِرُ شأْنَ صاحبهِ، ولا تَقْضِي له بالحِذْق والاستاذيَّة وسَعَةِ الذَّرْع وشدَّةِ المُنَّة، حتى تَستوفي القطعةَ وتأتيَ على عدة أبياتٍ؛ وذلك ما كان مِن الشعر في طبقة ما أنشدْتُكَ من أبياتِ البحتري. ومنْهُ ما أَنْتَ تَرى الحُسْنَ يَهجُمُ عليك منه دفعةً، ويأتيك منه ما يملأُ العينَ غرابةً، حتى تَعرفَ مِنَ البيتِ يَهجُمُ الواحد، مكانَ الرجُلِ من الفضْل، وموضعَه من الحذْق، وتشْهَدَ له بفضلِ المُنَّة وطولِ الباع، وحتى تَعْلَم - إنْ لم تَعْلَم القائلَ - أنَّه مِنْ قِبَل شاعرٍ فحلٍ، وأنه خرجَ من تحتِ يَدٍ صَنَاعٍ؛ وذلك ما إذَا أنشدْتَه، وصنعْتَ فيه اليدَ على شيء فقلتَ: هذا هذا! وما كان كذلك، فهو الشعرُ الشاعرُ، والكلامُ الفاخر، والنمطُ العالي الشريفُ، والذي لا تَجده إلاَّ في شعْر الفحولِ البُزْلِ، ثُمَّ المطبوعين الذين يُلْهَمون القولَ إلهاماً؛ ثم إنك تحتاجُ إلى أن تستقرئ عدةَ قصائد، بل أن تَفْلي ديواناً من الشعر، حتى تَجْمعَ منه عدَّةَ أبياتٍ؛ وذلك ما كان مثْلَ قولِ الأول، وتَمثَّل به أبو بكر الصديق، رضوانُ اللهِ عليه، حين أَتاه كتابُ خالد بالفتح في هزيمة الأَعاجم [من الوافر]: