للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تريدين قتلي قد ظفرت بذلك

ومثل قول أبي حَفْصٍ الشطرنجي، وقاله على لسان عُلَيَّةَ أخت الرشيد، وقد كان الرشيدُ عتَبَ عليها [من البسيط]:

لو كانَ يمنَعُ حسْنُ الفعْلِ صاحبَهُ ... مِنْ أن يكونَ له ذنبٌ إلى أَحَدِ

كانتْ عُليةُ أَبْرى الناسِ كلِّهِمِ ... من أنْ تُكَافَا بسوءٍ آخِرَ الأَبدِ

ما أَعْجبَ الشيءَ تَرجُوهُ فَتُحْرَمُهُ ... قد كنتُ أَحْسبُ أَنِّي قد مَلأَتُ يدي

أنظر إلى قوله: "قد كنتُ أحسب". وإلى مكان هذا الاستئناف.

ومثل قولِ أبي دُواد [من الخفيف]:

ولقد أَغْتَدي يُدافِعُ رُكْني ... أخوذِيٌّ ذو مَيْعةٍ إضْريجُ

سَلهبٌ شَرْجبٌ كأنَّ رِماحاً ... حَمَلتْهُ وفي السَّراةِ دُموجُ

أنظر إلى التنكير في قوله "كأن رماحا".

ومثل قولِ ابْن البوَّاب [من مجزوء الوافر]:

أَتيتُكَ عائذاً بكَ مِنْـ ... ـكَ لمَّا ضاقَتِ الحِيَلُ

وصَيَّرني هواكَ وبي ... لَحَيْني يُضْرَبُ المَثَلُ

فإنْ سَلِمتْ لكُمْ نَفْسي ... فَما لاقَيْتُهُ جَلَلُ

وإنْ قَتل الهوى رجلاً ... فإِني ذلك الرَّجُلُ

أُنُظرْ إلى الإشارة والتعريف في قوله: "فإنّي ذلك الرَّجُل".

ومثل قول عبد الصمد [من السريع]:

مكْتَئِبٌ ذو كَبدٍ حَرَّى ... تَبْكي عليهِ مُقلَةٌ عَبْرى

يَرْفعُ يُمنْاهُ إلى رَبِّه ... يَدْعو وفوقَ الكَبدِ اليُسْرى

أُنظرْ إلى لفظ "يدعو" وإلى مَوقعها!

ومثل قولِ جرير [من الكامل]:

لمن الديار ببُرقة الروحان ... إذ لا نَبيعُ زمانَنا بزمانِ

صَدعَ الغواني إذ رَمَيْنَ، فؤادَهُ ... صدْعَ الزجاجةِ ما لِذاكَ تَدانِ

أُنظرْ إلى قوله "ما لذاك تدان" وتأَمَّلْ حالَ هذا الاستئناف!. ليس من بصير عارفٍ بجوهر الكلام، حسَّاس مُتفهِّم لسرِّ هذا الشأن يُنْشِدُ أو يَقرأ هذه الأبياتَ إلاَّ لم يلبث أَنْ يضَعَ يدَه في كل بيتٍ منها، على الموضِع الذي أشرتُ إليه يَعْجَبُ ويُعَجِّب، ويُكْبِر شأنَ المزيةِ فيه والفضْلَ.

<<  <   >  >>