للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كقولِ الجاحظ: "جنّبَكَ اللهُ الشبهةَ، وعصَمَكَ من الحَيْرة، وجعَلَ بينكَ وبينَ المعرفةِ نَسَباً، وبينَ الصِّدْق سَبَباً، وحبَّبَ إليك التثبُّتَ، وزَيَّن في عينكَ الإنصافَ، وأذاقَكَ حلاوةَ التقوى، وأشْعَرَ قلبَكَ عزَّ الحقِ، وأوْدَعَ صدْرَكَ برْد اليقينِ، وطردَ عنك ذُلَّ اليأسِ، وعرَّفَكَ ما في الباطلِ من الذَّلَّة، وما في الجهل من القِلَّة".

وكقول بعضهم: "للهِ دَرُّ خطيبٍ قامَ عندك يا أميرَ المؤمنين! ما أفصحَ لسانَه، وأحسَنَ بيانَه، وأَمضى جَنانَه، وأَبلَّ ريقَه، وأسهل طريقَة! "

ومثل قول النابغة في الثناء المسجوع: "أيفاخِرُك الملكُ اللخميُّ؟ فواللهِ لقَفاكَ خيرٌ من وجَهْهِ، ولَشِمالُكَ خيرٌ من يَمينه، ولأَخْمَصُكَ خيرٌ من رأْسه، ولَخَطَؤكَ خير من صَوابه، ولَعِيُّك خير من كلامه ولَخَدَمُكَ خير من قَوْمه! "

وكقول بعض البلغاء في وصف اللسان. "اللسان أداةٌ يظَهر بها حُسْنُ البيان، وظاهرٌ يُخْبِر عن الضمير، وشاهدٌ يُنبئكَ عن غائب، وحاكِم يُفْصَل به الخِطابُ، وواعظٌ يَنْهى عن القبيح، ومُزَيِّنٌ يَدعو إلى الحُسْن، وزارعٌ يَحْرثُ المودَّة، وحاصدٌ يحصِدُ الضَّغينة، ومُلْهٍ يُونِق الأسماع". فما كانَ من هذا وشَبَهه، لم يَجِبْ به فضْلٌ إذا وجَبَ، إلاَّ بمعناه أو بمُتون أَلفاظِه، دون نَظْمه وتأليفه؛ وذلك لأنه لا فضيلةَ حتى تَرى في الأمر مَصْنعاً، وحتى تَجدَ إلى التخيُّر سبيلاً، وحتى تكونَ قد استدركْتَ صَواباً.

<<  <   >  >>