ولها مذهبٌ آخر وهو أن يكونَ لإنكار أَنْ يكونَ الفعلُ قد كانَ مِنْ أَصْله. ومثاله قوله تعالى:{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين واتخذ مِنَ الملائكة إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً}[الإسراء: ٤٠]. وقولُه عزَّ وجلَّ: {أَصْطَفَى البنات على البنين (*) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: ١٥٣ - ١٥٤]. فهذا رَدٌّ على المشركينَ وتكذيبٌ لهم في قولهم ما يُؤَدِّي إلى هذا الجهل العظيم. وإذا قُدِّم الاسمُ في هذا، صارَ الإنكارُ في الفاعل، ومثالُه، قولُكَ للرجل قد انْتَحلَ شِعراً:(أأَنْتَ قلتَ هذا الشعر؟ كذبتَ لسْتَ ممنْ يُحْسِن مِثلَه)، أَنْكَرْتَ أنْ يكونَ القائلَ ولم تُنكِرِ الشِّعرَ. وقد تكونُ إذْ يُرادُ إنكارُ الفعل من أَصْله ثم يُخرَجُ اللفظُ مخرجَه، إذا كان الإنكار في الفاعل. مثالُ ذلك قولُه تعالى:{قُلْءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ}[يونس: ٥٩]. الإذْنُ راجعٌ إلى قوله:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ الله لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً}[يونس: ٥٩]. ومعلومٌ أَنَّ المعنى على إنكار أن يكون قد كان من الله تعالى إذْنٌ فيما قالوه، من غير أن يكونَ هذا الإذْنُ قد كان من غير الله، فأضافوه إلى الله. إلاَّ أَنَّ اللفظَ أُخرجَ مخرَجَهُ إذا كان الأمر كذلك، لأنْ يُجعَلوا في صورة مَنْ غَلِطَ، فأضاف إلى الله تعالى إذْناً، كان من غير الله؛ فإِذا حقّقَ عليه ارتدع. ومثالُ ذلك قولُكَ للرجلِ يَدَّعي أنَّ قولاً كان ممَّن تَعْلَم أنه لا يقولُه:(أهو قال ذاك بالحقيقة أم أنتَ تَغْلَطُ؟) تضَعُ الكلامَ وضْعهَ إذا كنتَ علمتَ أنَّ ذلك القولَ، قد كان مِنْ قائلٍ لينصرِفَ الإنكارُ إلى الفاعل، فيكونَ أَشَدَّ لنفيِ ذلك وإبطاله.