للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويَشْهد لما قلنا، مِنْ أنَّ تقديمَ المحدَّثِ عنه يَقْتضي تأكيدَ الخبر وتحقيقَه له، أنَّا إذا تأَملْنا وجَدْنا هذا الضَّرْبَ من الكلام، يجيءُ فيما سبقَ فيه إنكارٌ من مُنْكِرٍ، نحو أنْ يقول الرجلُ: (ليس لي علمٌ بالذي تقول). فتقولُ له: (أنتَ تَعْلم أنَّ الأمرَ على ما أَقولُ ولكنك تَميل إلى خصمي). وكقول الناس: هو يَعلمُ ذاك وإنْ أَنْكَرَ، وهو يَعلمُ الكَذِبَ فيما قالَ، وإن حلفَ عليه. وكقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: ٧٥]. فهذا من أَبْيَنِ شيءٍ؛ وذاكَ أنَّ الكاذبَ لا سيَّما في الدِّين، لا يَعْترف بأنه كاذبٌ، وإذا لم يعترفْ بأنه كاذبٌ، كان أبْعَدَ مِن ذلك أنْ يعترِفَ بالعِلْم بأنه كاذبٌ. أوْ يَجيء فيما اعترضَ فيه شكٌّ، نحو أَنْ يقول الرجلُ: (كأنَّك لا تعلم ما صَنعَ فلانٌ ولم يُبْلِغْك): فيقول: (أنا أعلمُ ولكني أُداريه). أوْ في تكذيبِ مُدَّعٍ، كقوله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا جَآءُوكُمْ قالوا آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ} [المائدة: ٦١]. وذلك أنَّ قولَهم "آمنَّا": دعْوى منهم أَنَّهم لم يَخْرجوا بالكُفْر كما دخلوا به؛ فالمَوضعُ موضعُ تكذيب. أو فيما القياسُ في مِثْله أنْ لا يكونَ، كقوله تعالى: {واتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: ٣] وذلك أنَّ عبادتَهم لها، تَقْتضي أنْ لا تكون مَخْلوقةً، وذلك في كل شيءٍ كان خبَراً على خلاف العادة، وعما يُسْتَغرب من الأمر، نحو أن نقول: (ألا تَعْجَبُ من فلان يَدَّعي العظيمَ، وهو يَعْيى باليسير، ويَزْعمُ أنه شُجاعٌ، وهو يَفْزَع من أدنى شيء؟).

إفادة تقديم المسند إليه التأكيد والقوة

<<  <   >  >>