وجملةُ الأمر أنه ليس إعلامُك الشيءَ بغتةً، مثْلَ إعلامك له بعْدَ التنبيهِ عليه والتقدمةِ له، لأن ذلك يَجْري مَجْرى تكريرِ الإعلام، في التأكيد الإحكام. ومِنْ هاهنا قالوا: إن الشيء إذا أُضْمِر ثم فُسِّر، كان ذلك أفخمَ له مِنْ أن يُذكَر، مِنْ غَير تقدُّم إضمار. ويَدلُّ على صحة ما قالوه، أنَّا نعلم ضرورةً في قوله تعالى:{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار}[الحج: ٤٦] فخامةً وشرفاً وروعةً، لا نَجد منها شيئاً في قولنا:(فإن الأبصارَ لا تَعْمى). وكذلك السبيلُ أبداً في كل كلام كان فيه ضميرُ قصة. فقوله تعالى:{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون}[المؤمنون: ١١٧] يُفيد من القوةً في نفي الفلاح عن الكافرين، ما لو قيل:(إنَّ الكافرين لا يفلحون)، لم يُفِدْ ذلك. ولم يكن ذلك كذلك إلاَّ لأنك تُعلمه إياه مِنْ بعد تقدمةٍ وتنبيهٍ أنتَ به في حكْم مَنْ بدأَ وأعادَ ووطَّد، ثم بيَّنَ ولوَّح ثم صرَّح. ولا يَخفى مكانُ المزيةِ فيما طَريقُه هذا الطريقُ.