للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذْ قد بدأْنا في الحذف، بذكر المبتدأ، وهو حذف اسم - إذْ لا يَكونُ المبتدأُ إلاَّ اسماً - فإنِّي أُتْبعُ ذلكَ ذكْرَ المفعولِ بهِ إذا حُذِفَ خُصوصاً؛ فإن الحاجة إليه أمسُّ، وهو بما نحنُ بصدده أَخصُّ، واللطائفُ كأنها فيه أَكثرُ، وما يَظْهر بسببه من الحُسْن والرونق أَعجبُ وأَظْهَرُ. وهاهنا أصْلٌ يَجبُ ضبطُه: وهو أَنَّ حالَ الفعلِ مع المفعولِ الذي يَتعدَّى إليه، حالُهُ مع الفاعل. وكما أَنك إذا قلتَ: (ضربَ زيدٌ)، فأَسندْتَ الفعل إلى الفاعل، كان غرَضُكَ من ذلك أن تُثْبتَ الضرْبَ فعْلاً له، لا أن تُفيدَ وجودَ الضرب في نفسه، وعلى الإطلاق. كذلك إذا عدَّيْتَ الفعلَ إلى المفعول، فقلتَ: (ضربَ زيدٌ عَمرا)، كان غرَضُكَ أن تُفيد التباسَ الضربِ الواقعِ من الأول بالثاني ووقوعَه عليه؛ فقد اجتمع الفاعلُ والمفعولُ، في أنَّ عمَلَ الفعلَ فيهما إنما كان مِنْ أَجْل أن يُعْلَم التباسُ المعنى الذي اشتُقَّ منه بهما. فعَمِلَ الرفعُ في الفاعل، ليُعلَم التباسُ الضربِ به من جهة وقوعه منه، والنصْبُ في المفعول، ليُعْلَم التباسُه به من جهة وقوعه عليه؛ ولم يكن ذلك ليُعلم وقوعُ الضربِ في نفسه؛ بل إذا أُريد الإخبارُ بوقوعِ الضرْبِ ووجودِه في الجملة، من غير أن يُنْسَب إلى فاعلٍ أو مفعولٍ، أو يتعرَّضَ لبيان ذلك، فالعبارةُ فيه أن يقال: (كان ضربٌ، أو وَقَع ضربٌ أو وُجد ضرب)، وما شاكل ذلك من ألفاظ تُفيد الوجودَ المجرَّد في الشيء.

<<  <   >  >>