ويُبيِّن هذا كلامٌ ذكَرَه أبو عثمانَ الجاحظُ في كتاب البيان والتبيين وأنا أكتبُ لك الفصلَ حتى يستبينَ الذي هو المُرادُ. قال:
"والسنَّةُ في خطبة النِّكاحِ أنْ يُطيلَ الخاطِبُ ويُقصِّرَ المجِيبُ، ألا تَرى أنَّ قيْسَ بْنَ خارجةَ لمَّا ضرَبَ بسيفه مُؤخَّرةَ راحلةِ الحاملَين في شأن حَمالةِ داحس، وقال: ما لي فيها أيها العَشَمتَانِ، قالا: بل ما عندَك؟ قال: عندي قِرى كلِّ نازلٍ، ورضِى كلِّ ساخِطٍ، وخُطبةٌ مِنْ لَدُنْ تطْلُعُ الشمسُ إلى أن تَغْرُبَ، آمرُ فيها بالتواصل، وأَنْهى فيها عن التقاطع. قالوا: فخطَبَ يوماً إلى الليل، فما أعاد كلمةً ولا معْنى. فقيل لأبي يعقوب: هلاَّ اكْتَفى بالأمر بالتواصلِ، عن النَّهْي عن التقاطع؟ أو ليس الأمرُ بالصلةِ هو النهْيُ عن القطيعة؟ قال: أو ما علمْتَ أنَّ الكنايةَ والتعريضَ، لا يَعْملان في العقولِ عَمَلَ الإِيضاح والتكشيف"؟
انتهى الفصْلُ الذي أَردتُ أن أَكْتبَه؛ فقد بصَّرك هذا أنْ لن يكونَ إيقاعُ نَفْي الوجودِ على صَريحِ لفظِ "المثل" كإيقاعه على ضميره.
وإذْ قد عرَفْتَ هذا، فإنَّ هذا المعنى بعينه، قد أَوْجَبَ في بيتِ ذي الرمة، أنْ يَضعَ اللفظَ على عكس، ما وضَعه البحتريُّ، فيُعملَ الأوَّلَ من الفعلين، وذلك قوله [من الوافر]:
ولم أَمدَحْ لأرضيهِ بشعري ... لئيماً أَنْ يكونَ أصابَ مالا