ومن صيغة التي يستخدمها باستمرار، في الفصل الواحد، وفي الفقرة الواحدة، مفردات وجمل نادراً ما يتخلَّى عنها أو يبدِّل فيها، وقد حاولتُ تعدادها فبلغت نحو ثلاثين صيغة بعضها للبدايات كـ "إِعْلَمْ" و "معلومٌ أنه" و "لا شُبْهَة في أنَّ" ... وبعضها للخواتيم والخلاصات كـ "وجملةُ الأمر" و "فاعرف ذلك" أو فاعرفْه" وهي الأكثر شيوعاً.
وبعضها في الشرح والتحليل الداخلي وهي الغالبة في الاستعمال، مثال:
"أفلا ترى"، و"إذا كان الأمر كذلك فينبغي"، "مما لا يَخْفَى فسادُه" و "إذْ قد عرفت ذلك" - وهي لا تكاد تخلو منها صفحة واحدة - "المحال"، "الفضل والمزيَّة"، "وإذا كان ذلك كذلك" و "لو أنهم"، "ولو فعلوا"، "لا يخفى على عاقل"، "وإن قال قائلِ .. قيل .. " "كما بيَّنَّا"، "يُتصور" - التي لا حصر لاستعمالها لديه - "البتَّة"، "عمدَ عامدٌ"، "مِن أجل ذلك"، "معلوم أنه"، "وأنا أُفسِّر لك ذلك"، "ولا شبهة في أن"، "وههنا كلام ينبغي أن تعلمه" الخ ...
هذا الكم المذهل من الصيغ الواردة أعلاه، يشكل لبنةَ العبارة الجرجانية ومفاتيحها ومغاليقها، ما إن تقرأ وتتابع القراءة حتى تشعر أنك مع كاتب تراثي من طراز خاص، عني بأفكاره ومقاصده عناية خاصة جعلته أمام هذه الصيغة وتلك، كالملوِّح بالمشاعل في مغربيَّةٍ - والدنيا خافتة الضوء والرؤية - كي يتضح كلُّ شيء على خير ما يرام، ويُوضعَ كلُّ شيء في موضعه الصحيح.
وإن فاتنا شيء في هذا الصدد، فلن يفوتَنا تكرار تعريف النظم وقواعده بقوله:(ليس النظم شيئاً غير توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين الكلم).