هناك عدة صيغ أو أبنيةٌ للمجهول، أشهرها ما هو في بناء الفعل، وما هو في صيغة أو زِنة [مفعول]؛ وقد يكون بصورة غير مباشرة عندما يكون الخطاب أو الكلام موجهاً إلى كائن غائب غير محدَّد الهويَّة، كقولنا:(ومن الناس من يفضِّل كذا أو يفعل كذا). أو يكون زنة [تفعَّل] كـ: (تَبيَّنَ) وزِنة [انفعل] كقولنا: (ينسحب هذا الرأي على غيره) وغير ذلك من صيغ النحو المتعددة التي تجري على ألسنة الكتاب، فيبتعدون عن التصريح بالفاعل، ويجنحون إلى التعميم والتكنية، لِسَعة الأفق والتناول، في جانب التعميم، وضيق المدى المنشود، في جانب التصريح ..
وقد استخدم علاَّمتُنا في كتابه، مختلف الصيغ المعروفة في تراكيب الكلام، مصرِّحاً أو مكنِّياً مُعمِّماً. إلاَّ أن نسبة البناء للمجهول قد تجاوزت عنده الحد المألوف في كتابات القدماء وطبعت كتابته بما يشبه الهاجس من الظهور بمظهر المخاطِب (بالكسر) المتسائل، الناقِد، الرائي، المستغرب، الملخِّص، المستنتج (بالكسر) .. أي يتحاشى أن يكون هو مصدرَ هذه الفِعال والقائم بها مباشرة .. فينسبها إلى آخر غائب غير معيَّن ولا معروف، مفرداً كان أم جماعة، كقوله في تناوله الأول لموضوعه النحو، واصفاً مُخْبراً، تارة، أو مخاطباً تارة أخرى:
"فإنْ قالوا: إنَّا لم نَأْبَ صحة هذا العلم، ولم نُنكر مكان الحاجة إليه في معرفة كتاب الله تعالى، وإنما أنكرنا أشياء كثَّرْتُموهُ بها، وفضولَ قولِ تكلَّفتموها .. ( ... ) قلنا لهم أمَّا هذا الجنس فلسنا نعيبكم إن لم تنظروا فيه ولم تُعنوا به، وليس يهمنا أمره .. "
وقوله، في الكلام على (الاستدلال بالاستعارة والكناية والتمثيل) جامعاً معظم الصيغ والضمائر المجهولة:
"يَعلمُ كلُّ عاقل أنه لا يُكنَّى باللفظ عن اللفظ، وإنما يكنى بالمعنى عن المعنى - وكذلك يعلم أنه لا يُستعار اللفظُ مجرداً عن المعنى، ولكنْ يُستعار المعنى ثم اللفظُ يكون تبْعَ المعنى ( ... ) وكذلك الأمرُ في التمثيل لأن تفسيره أن نذكر المتمثَّلَ له".
وقوله في فقرة الكلام على (الفرق بين معنى المفسَّر ومعنى التفسير) مستغرقاً في صيغتْي المضارع والماضي للمجهول: