والقول المبينُ في ذلك أن يقال: إنه إنما اجتُلِبَ حتى إذا كان قد عُرِفَ رَجلٌ بقصةٍ وأمْرٍ جرى له، فتخصَّص بتلك القصة وبذلك الأمر عند السامع، ثم أُريدَ القصْدُ إليه، ذُكِرَ "الذي". تفسيرُ هذا أنك لا تَصِلُ "الذي" إلا بجملةٍ من الكلام قد سَبق مِن السامع عِلمٌ بها وأَمرٌ قد عرَفَه له، نحْوَ أن تَرى عنده رجلاً يُنشِدُه شعراً، فتقول له من غَدٍ:(ما فعلَ الرجلُ الذي كان عندَك بالأمسِ يُنْشِدُك الشعر؟) هذا حُكْم الجملة بعد "الذي" إذا أنتَ وصفْتَ به شيئاً؛ فكان معنى قولهم: إنه اجتُلب ليتوَصَّل به إلى وصْف المعارف بالجمل: أنه جيء به لِيَفْصل بين أن يُراد ذِكْرُ الشيء بجملةٍ قد عرَفها السامعُ له، وبين أن لا يكون الأمرُ كذلك. فإن قلت: قد يؤتى بعد "الذي" بالجملة غير المعلولة للسامع، وذلك حيث يكون "الذي" خبراً كقولك "هذا الذي كان عندَك بالأَمس، وهذا الذي قَدِمَ رسولاً من الحضرة" أنتَ في هذا وشَبَهه تُعْلِم المخاطَبَ أمراً لم يَسْبق له به علمٌ، وتُفِيده من المشار إليه شيئاً لم يكن عنده، ولو لم يكن كذلك، لم يكن "الذي" خبراً، إذْ كان لا يكون الشيءُ خبراً ح تى يُفاد به. فالقول في ذلك إنَّ الجملةَ في هذا النحو، وإن كان المخاطَبُ لا يَعْلَمها لعينِ مَنْ أشرتَ إليه، فإنه لا بدَّ مِن أن يكون قد عَلِمها على الجملة، وحُدِّثَ بها، فإنك على كل حال لا تقول:(هذا الذي قدِمَ رسولاً)، لمن لم يَعْلم أن رسولاً قَدِم، ولم يبلغه ذلك في جملة ولا تفصيل. وكذا لا تقول:(هذا الذين كان عند أمسِ)، لمن قد نسيَ أنه كان عنده إنسانٌ وذهَبَ عن وَهْمه، وإِنما تَقولُه لمن ذاك على ذكرٍ منه، إلاَّ أنه رأى رجلاً يُقْبل مِن بعيد، فلا يعلم أنه ذاكَ، ويظنُّه إنساناً غيَرهُ.